لم يتمكن رئيس الحكومة السابق نوري المالكي من استكمال أي مناورة سياسية تعيده إيجابياً إلى الأضواء، منذ أن خرج من منصبه بما يشبه الإقالة صيف 2014، فمنذ ذلك يستخدم نفوذه المالي الكبير وعلاقته بالميليشيات، لمحاولة تذكير الرأي العام بدوره وطموحاته، لكن محاولاته تأتي بمردود عكسي.

Ad

ففي الشتاء الماضي، وكان لايزال في منصبه، شجّع أنصاره على أن يقترحوه قائداً لقوات الحشد الشعبي، لكن ذلك دفع الفصائل الموالية لمرجعية النجف إلى رفض عودته قائداً عسكرياً، وذكرت بأنه تعرض للهزيمة في الموصل.

ومطلع الصيف الماضي حين بدأ يفور تنور الاحتجاجات الشعبية، نزل أنصار المالكي بقوة في البصرة وبغداد على أمل الإطاحة برئيس الحكومة حيدر العبادي، الذي ينتمي إلى الحزب نفسه (الدعوة)، لكن الأمر أدى إلى صدور حزمة إصلاحات، أهمها ترشيق المناصب الرئاسية المتضخمة عددياً، ما جعل المالكي يخسر منصبه كنائب للرئيس، الأمر الذي كلفه كثيراً أمام الرأي العام.

وتجمع المصادر المطلعة في بغداد على أن ثلاثة عوامل دفعت المالكي إلى تصميم لعبته الأخيرة مع العبادي، التي انتهت إلى تشكيله ما يشبه كتلة من 60 نائباً تهدد بالإطاحة برئيس الحكومة، فأما العامل الأول فهو رغبة المالكي في الانتقام، وأما الثاني فهو أن الميليشيات المقربة من جنرال الحرس الثوري قاسم سليماني غاضبة لقطع جزء من تمويلها، لأن العبادي لم يوافق على طلبها بتكثيف التنسيق الحربي مع موسكو وتقليص التعاون مع واشنطن، وهو مطلب إيراني ثابت، بينما العامل الثالث هو أن الرأي العام بدأ يشعر بالغضب إزاء الفشل الحكومي والعجز الاقتصادي، كما أن حلفاء العبادي الموصوفين بأنهم "جبهة الاعتدال" مثل عمار الحكيم ومقتدى الصدر، سجلوا في الآونة الأخيرة اعتراضات أساسية تنتقد تهرب العبادي من التشاور معهم.

ويبدو أن أبرز قيادات "الدعوة" رفضت محاولات المالكي ضد رئيس الحكومة، مفضلة محاسبة العبادي داخل الحزب، لكنّ قيادات الخط الثالث في التنظيم، ونواباً معروفين بالشغب في كتلته النيابية، اندفعوا أكثر مما ينبغي للنّيل من الحكومة، والتهديد بسحب الثقة عنها، أو سحب "تفويض الإصلاحات" على الأقل.

ووصل الأمر إلى حد أن بعض الدعاة راحوا يعترفون بأن حزبهم يواجه انشقاقاً تاريخياً وشيكاً، لأنه عاجز عن التوفيق بين جناحيه، وبالفعل فإن الإشارات تكشف أن العبادي لم يستطع بناء تسوية داخل المكتب السياسي، فنشّط اتصالاته مع المجلس الأعلى بزعامة الحكيم، وتيار مقتدى الصدر، ومرجعية النجف، فضلاً عن السفارات المهمة في بغداد، وأبلغهم بخطورة تحركات المالكي، وضرورة تنسيق المواقف بشكل أكبر.

وهذه الاتصالات أدت إلى إعادة تسليط الضوء على خطر الميليشيات المتشددة المتحالفة مع المالكي وسليماني، ما ضمن إعادة تحشيد لأنصار حكومة الإصلاحات، حيث انبرى نواب شيعة موالون للنجف، للسخرية من كتلة المالكي الذي "كان مثالاً للفشل ولم يتعرض للمحاسبة"، كما صدرت تصريحات دولية عدة تدعم العبادي بوضوح، في إشارة إلى أن رغبات تحالف "موسكو، طهران" لن تنجح في دفع المالكي إلى مناورة ناجحة، لأن ظهور الأخير يفرز نتائج عكسية، ويعيد توحيد خصومه رغم كل خصوماتهم كما حصل منذ عام 2012.