السجال الحاد حول الرقابة على السينما في مصر تجدد خلال أجواء احتفالية وأثناء استلام المخرج عمرو سلامة جائزتين عن أفضل سيناريو وأفضل إخراج، عن فيلم «لا مؤاخذة»، استوقف سلامة الجميع بانتقادات متتابعة حول «الرقابة» ودور الأجهزة الرقابية التي رفضت فيلمه أربع مرات، ما جعله يلجأ إلى إعادة كتابة النص حتى وافق رئيس الرقابة آنذاك على عرضه.

Ad

أثارت مداخلة سلامة الجدل بين الحضور، ما استدعى تدخل الكاتب يوسف القعيد الذي أشاد بسلامة قبل أن يلوم عليه: {أن الشباب ينسون أهم أمر. نسي عمرو أن يقول إن فيلمه {لا مؤاخذة} نال منحة من وزارة الثقافة}، ما دفع الأخير إلى أن يتساءل مجدداً عن {الكوميديا العبثية} وراء دعم فيلم من الوزارة ثم عرقلته من أحد أجهزتها.

وعبر حسابه الرسمي على موقع {فيسبوك}، واصل سلامة معركته مع الرقابة قائلاً: {ثمة نوعيات من الأسئلة تفرضها الرقابة في كل مرة، كالسبب من الرموز في أفلامك، وهل ترى أنها قد تخدم أعداء الدولة، أو تنال من قدسية الأشخاص والمعتقدات، وأن الموضوعات كافة يجب أن تكون لها رسالة}، مواصلاً: {في الخارج لم يسألوا هيتشكوك ودافينشي وسالفادور الدالي، عن أعمالهم الصادمة والجريئة}.

والمؤكد أن سلامة ليس الوحيد الذي تصادم مع الرقابة، بل ثمة أسماء كثيرة سبقته وأخرى ستواجه المصير نفسه.

الناقد الفني طارق الشناوي قال من ناحيته إن {الرقابة} أمر غاية في الإزعاج لأطراف عملية الإبداع الفني كافة، سواء صانعي العمل من مخرجين ومنتجين ومؤلفين، أو متلقين من الجمهور والمتابعين، وصولاً إلى الأجيال المقبلة التي يترسخ في أذهانها {الدور الرقابي}، وهي لن تجد أعمالاً حقيقية بسبب تحجيم الإبداع في أجيال سابقة عليهم، فالأمر ضار من النواحي كافة.

إلغاء الرقابة

وطالب الشناوي بما وصفه {بالقرار الجريء} بإلغاء الرقابة فوراً وحل الأجهزة التي تعرقل المصنفات الفنية، أو على الأقل وضع ضوابط أخف وطأة بشكل كبير مما هو جار، متسائلاًً: {لماذا لا نضع معايير معينة كالتصنيفات العمرية أو تضييق الموانع إلى أقصى حد، بدلاً من الاعتراض على كل صغيرة وكبيرة، وتعطيل أعمال فنية بسبب {الأسماء} لا {الفلسفة والرؤى}؟ ففلان اليوم يعترض على هذا الفيلم، ليأتي آخر بعده يوافق عليه، من دون أي توضيحات إضافية}. واستطرد: {للأسف، الدور الرقابي بعيد تماماً عن أي تقييمات فنية، وإنما يتم توظيفه لخدمة أهداف سياسية بحتة، فالرقابة التي تصدر اليوم شعار {الحفاظ على النظام العام}، تعترض على قضايا لا تمس النظام العام أو تلطخ سمعة المجتمع وتهدم هويته، فأيام مبارك مثلاً لم نر فيلماً واحداً يناقش قضية {التوريث} ولم يكونوا ليسمحوا بذلك رغم أن الموضوع بعيد تماماً عن الجنس والدين}.

بدورها حذرت الناقدة الفنية حنان شومان من خطورة {التأثير المباشر} للرقابة على وجود الأعمال الفنية من الأساس وليس مجرد {جودتها}، قائلة بأن صانعي الأعمال الفنية سيغادرون يوماً المجال في حال استمر الأمر كما هو عليه، وبأن المبدع في مأزق حقيقي فإما يجتهد ليصنع عملاً جيداً وقيماً تعرقله الرقابة بالطرق كافة، وإما يضطر إلى أن يجاري الذوق العام ويقدم أفلاماً هابطة دون المستوى.

وتابعت شومان أن {رقابة الشعوب} أخطر ألف مرة من رقابة {الأجهزة}، وأن الرقابة التي يفرضها المجتمع باسم القيم والعادات تكون عصية على التغيير والتجاوز أكثر من اعتراضات الأجهزة والمؤسسات الرقابية الرسمية، مطالبة بإعادة ضبط المسميات، وإعادة تعريف مصطلحات

كـ{الفن، والإبداع، والأخلاق، والثوابت}، كي يتسنى لنا الفصل بينها، وعدم خلط الأوراق وتجهيز التهم المعلبة بأن الفن والفنانين يحاربان القيم والأخلاق.

وأعربت شومان عن استغرابها من أن فترات عصيبة مرَّت على دول شديدة القمعية، لم يكن أهلها يقفون بالمرصاد لأي عمل كما نرى هذه الأيام، وأنه ربما سمحت الرقابة بفيلم ما، حتى تنطلق الأبواق الإعلامية التي تجد أرضية مناسبة من مواطنين يرفعون لواء الفضيلة، والحفاظ على ما يسمونه {الهوية والخصوصية}، واللعب على نغمات {المجتمع الشرقي، والشعب المتدين}.

واختتمت شومان بضرورة {الإصلاح من الداخل} أولاً، ومحاولة السمو بذائقة الشعب مرة أخرى وتنمية ملكات الإبداع لديه، وتعريضه لنوعيات {غير استهلاكية} من الفنون لتقديرها جيداً، وإدراك {دور الفن} وتجاوز الخرافات الشائعة بأن الفن يستهدف الدين والمجتمع، وحال حدوث ذلك سنقلص الفرق بين أفلام الخارج التي تناقش أجرأ القضايا وتحاسب أعتى الأنظمة، في حين أننا بالداخل لا نجرؤ على ذلك، ولن يتم السماح لأية أعمال يكون قوامها {الحرية}.