يعرف الكثيرون كويت ما قبل النفط من خلال نشاطها البحري كبقية الدول الخليجية، أي التجارة عموما والغوص على اللؤلؤ خاصة.

Ad

الكويت، يقول مؤرخها عبدالعزيز الرشيد "ليست بذات زراعة ولا صناعة، ومن هنا فليس لها من الحاصلات والصادرات ما يستحق الذكر إلا اللؤلؤ والدهن والصوف وجلد البهم والثعلب والبقر وفرو الغنم والطماطم، وأهمها اللؤلؤ، بل لولاه لما كانت الكويت كويتاً ولما أصبحت ذات قيمة". (تاريخ الكويت- طبعة 1999، ص49).

ومن المعروف أن تطوير "اللؤلؤ الصناعي" في اليابان بإدخال جسم غريب داخل المحار، قد هوى بمكانة وقيمة اللؤلؤ الطبيعي، وأجهض وضعا اقتصاديا وحرفة مزدهرة حتى أول عقدين من القرن العشرين، ثم ظهر البترول وهيمن اقتصاد النفط بعد الحرب العالمية الثانية، فأجهز على الاقتصاد الكويتي القديم.

ولكن الكويت عرفت الزراعة والقرى ومارست شريحة من الأهالي هذه المهنة في بعض المناطق وقرى "الريف الكويتي"!

فمن يصدق، وهذا ما يؤكده المؤرخ الرشيد نفسه، أن الكويت كانت تصدر الطماطم للبصرة، فيقول في هامش الصفحة نفسها، لم ينشط الكويتيون لزراعة الطماطم إلا من نحو عشر سنين تقريباً- أي عام 1916- وقد أصبح يصدر منه للخارج شيئا لا يستهان به لا سيما للبصرة".

كانت مجموعة من القرى والجزر وبخاصة فيلكا، تشكل هذا الريف "الزراعي" والحرفي، والذي عرضت نشاطاته بالتفصيل عدة مراجع، منها الكتاب الموسوعي "الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت" 2003، للباحث التراثي المعروف محمد عبدالهادي جمال، حيث خصص فصلا كاملا للحديث عن "الأعمال في قرى الكويت وجزرها".

أجمع العديد من الرحالة، على العكس، وأكدوا ندرة الزرع واللون الأخضر في الكويت، وأشاروا إلى اعتمادها الكامل على استيراد المواد الغذائية.

فابن علوان الذي زارها قادما من دمشق في يناير 1709 قبل أكثر من ثلاثة قرون، ذكر أن الفاكهة والبطيخ تأتي إلى الكويت من البصرة في المراكب كل يوم، وأن الكويت "يأتيها سائر الحبوب من البحر، حنطة وغيرها، لأن أرضها لا تقبل الزراعة، حتى ما فيها شيء من النخيل ولا غيره من الشجر أصلا". (دخلنا بلدا يقال لها الكويت، إبراهيم الخالدي،2011، ص305).

وهو مماثل لما يؤكده الرحالة الدنماركي "رونكيير" في ربيع 1912، حيث يقول "إن الكويت بلد الصحراء دون أي حدائق أو مساحات خضراء، وتأتيها الذرة والخضراوات والتمر من الفاو وأماكن أخرى، إذ لا يرى فيها أي أرض خضراء مزروعة، ولا توجد أيضا فيها شجرة واحدة إذا استثنينا بعض أشجار الأثل، وما عدا الشباب الذين يعملون في البحر والبدو الذين يغشونها والذين لا يعرفون الزراعة، فإن الكويت ليست أكثر من مكان طيني بين الصحراء والبحر". (الخالدي، ص338).

كما ذم الرحالة الأميركي "لوشر" طقس الكويت عندما زارها عام 1868، فقال: "جو الكويت حار لدرجة مخيفة، وتظهر المدينة محاطة من الشمال والجنوب والغرب بصحراء مقفرة، لذلك يعتبر جيران الكويت اثنين هما القفر والحرارة". (الخالدي، ص315).

ويبدو من إشارة الباحث عبدالهادي جمال للمناطق الزراعية أن معظم ضواحي الكويت الحالية مبنية في الواقع على القرى والأرياف والأراضي الزراعية، كما هي الحال في مصر ودول عربية عديدة! حيث يقول: "اعتمد عدد كبير من سكان القرى على الزراعة في كسب رزقهم بالرغم من شح المياه، وكانت القرى وكذلك المناطق القريبة من المدينة والمحيطة بها تضم الكثير من المزارع التي تزرع فيها مختلف أنواع الخضراوات لتزويد السكان باحتياجاتهم منها، ومن المناطق القريبة التي كانت تزرع فيها الخضراوات بنيد القار والدسمة والدعية والشعب والنقرة وحولي والرميثية والدمنة (السالمية)، كما كانت منطقة الشامية والعديلية وخيطان من المناطق الزراعية المهمة، وقد اشتهر أهالي القرى الجنوبية كالفنطاس والمنقف وبوحليفة والفحيحيل والشعيبة بزراعة الخضراوات وبعض المنتجات الأخرى كالبطيخ والطماطم والكنار (النبق) بالإضافة إلى الرقي والطروح والباذنجان بصورة أقل، وكان البعض يزرع في مناطق أخرى كالصبيحية وأم الهيمان وعريفجان وجعيدان (وهي منطقة تقع قرب وارة) وقد اشتهرت الجهرة بزراعة عدد من المنتجات في مقدمتها الجت والسدر وبعض أنواع النخيل بالإضافة الى الخضراوات، وأهمها الشبنت والكزبر والبقل (الكرات) والحلبة والرويد (الفجل)". (الحرف والمهن، ص557).

ويضيف جمال "كانت منطقتا الرميثية والدمنة من المناطق الزراعية المهمة نظرا لجودة تربتهما ورطوبة الجو فيهما مما ساعد على نمو الخضراوات وبعض الثمار، وكان الكثير من أفراد قبيلة العوازم يحتفظون بمزارع وحوط– أراض مسورة– في هاتين المنطقتين اللتين تحتويان على أشجار السدر والأثل، ويزرعون فيها الخضراوات والبطيخ، وفي مناطق كالعديلية وأبرق خيطان وجليب الشيوخ التي اشتهرت بزراعة القمح والشعير لجودة تربتها وكثرة هطول الأمطار فيها شتاء انتشرت زراعة القمح والحبوب، "فكان عدد من الشيوخ والتجار من مدينة الكويت بالإضافة إلى سكان تلك المناطق من البدو يحددون بعض المساحات هناك، ويستأجرون العمال والدواب للزراعة، ويقوم العمال بتجهيز الأرض وحرثها بواسطة الخيول والبغال أو الحمير قبل نثر البذور".

وتبدأ زراعة القمح مع بداية "الوسم"، أي موسم نزول المطر في منتصف شهر أكتوبر تقريبا، ويتوجه العمال يوميا من المدينة إلى تلك المناطق بواسطة الحمير للعناية بالزراعة ومتابعة نمو النباتات وحمايتها، وتستخدم الخيول والحمير للمشي على سنابل القمح بعد نشرها على أرض منبسطة يطلق عليها "بيدر" لفصل الحبوب عنها، وكانت المحاصيل من الحبوب جيدة على الدوام في تلك المناطق وبخاصة في موسم 1923-1924 لهطول أمطار غزيرة، مما أدى إلى إنتاج كميات ضخمة من القمح.

وكانت قرى الكويت الجنوبية الساحلية تسمى القصور، وتضم قرى الفنطاس والفنيطيس والفحيحيل وأبو حليفة والشعيبة، وتشتهر بزراعة معظم الخضراوات الورقية والثمرية، بالإضافة إلى البطيخ الذي يعتبر من أفضل ما كان ينتج في الكويت ويسمى "الفريدوني" الذي يتميز بطيب رائحته ومذاقة الحلو، وكانت الجهراء القديمة عبارة عن مدينة صغيرة محاطة بسور له بابان، وكانت تسكن داخل السور عائلات يهتم معظمها بالزراعة، حيث كانت الجهرة من أخصب المناطق في الكويت وأطيبها تربة، ولعلها أبرز مناطق الكويت في "الاكتفاء الذاتي"، إذ كان سكان المنطقة يستهلكون محاصيلها من الحبوب، ولم تكن هناك كميات كافية لإرسالها للمدينة، وكانت مزارع الجهرة كبيرة نسبيا، إذ تراوحت مساحاتها ما بين خمسة آلاف متر مربع وخمسة عشر ألفا أو أكثر، كما اشتهرت الجهرة ببعض أنواع التمور وخاصة "السعمران"، وبالكثير من النخيل وأشجار السدر، ويقول الباحث "كان من أصحاب المزارع في الجهرة كل من المرحومين عبدالله الخلف وفريح المهوس وعبدالله اللافي ومبارك العيار ومحمد العيار ومطيران الخلف وعبدالرحمن الشريم والكوع والهدة ومحمد الأمير وآل سويلم ومحمد السابج وغيرهم". (ص569).

واشتهرت فيلكا يحلاوة مذاق منتجاتها بسبب اعتماد الزراعة فيها على الآبار المنتشرة هناك، والتي تتميز بمائها العذب، كما عرفت الجزيرة زراعة القمح والشعير إلى جانب الفاكهة والخضراوات.

 وكان أهل القرى الكويتية يقومون بأعمال كثيرة أخرى كتربية الأغنام والإبل، وصناعة منتجات الألبان والسمن البلدي (الدهن العداني) من الزبدة المستخرجة من لبن الغنم، حيث اشتهر "العوازم" بصناعة أفضل أنواعه من حيث الجودة وطيب المذاق، كما تتميز الأغنام التي يقومون بتربيتها- وهي العِرْب بكسر حرف العين- بجودتها وإدرارها اللبن ذي الطعم المميز، كما يكتسب الدهن العداني جودته من نوعية الأعشاب التي تنمو في بر العدان، ويباع الدهن العداني من إنتاج الكويت بأسعار أعلى من بقية الأنواع، وكان من المهن الأخرى جز الأصواف من الغنم والمنتجات الجلدية وحياكة السدو من شعر الماعز.

ويشيد الباحث بالطماطم الكويتية خاصة ومكانتها الغذائية وكدواء، فيقول إن حجمها أصغر من الطماطم العادية، وتتميز ببعض الحموضة التي تعطيها نكهة خاصة، وكان الأطباء الشعبيون يصفونها للمرضى كدواء، بل يأخذ البعض مرضاه أثناء فصل الربيع للنقاهة خارج المدينة، خاصة إلى القرى الجنوبية لتناول الخضراوات الطازجة وفي مقدمتها الطماطم، ولتغيير الجو في الهواء الطلق، ويضيف مؤكدا ما يقوله المؤرخ الرشيد، أن طماطم الكويت كانت تصدر إلى البصرة وعبادان، والبطيخ "الفريدوني"، الذي اشتهرت به منطقة الفنطاس إلى البحرين!

صورة جميلة بل رائعة من ريفنا الكويتي الذي اندثر!