لا أظن أن منتجاً تعرَّض طوال تاريخ السينما المصرية، التي يؤرخ لها بتصوير‏ ‏بعض‏ ‏المناظر‏ ‏المصرية ثم‏ ‏عرضها‏ ‏بدار سينما‏ ‏لوميير‏ بالإسكندرية في 20 ‏يونيو 1907، لحملة هجوم قاس وعنيف كتلك التي تعرض لها الشقيقان أحمد ومحمد السبكي اللذان اتهما بنشر {الإسفاف والابتذال}، و{إفساد الذوق العام} و{تدمير أخلاقيات الشباب} (!) وبلغ الهجوم حداً غير مسبوق عقب قيام البعض بتدشين حملة عبر موقع التواصل الاجتماعي {فيسبوك} تُحرض {المسؤولين} على منعهما من الإنتاج، بعدما فشلت الدعوة إلى مقاطعة أفلامهما! بالطبع لم يقف الشقيقان موقف العاجز أمام طوفان الاتهامات الذي كاد يُغرقهما، بل وظفا الصفحة الرسمية للشركة عبر موقع التواصل الاجتماعي نفسه لدفع التهم عنهما، وأصدرا بياناً دافعا فيه عن نتاجاتهما السينمائية، كذلك ذكَرا المناهضين قبل المتعاطفين بقائمة الأفلام التي أنتجاها، ولم يلتفت إليها أحد، مثل: {عيون الصقر} بطولة نور الشريف، {مستر كاراتيه}، {سواق الهانم} و{الرجل الثالث} بطولة أحمد زكي، {امرأة هزت عرش مصر} و{الرغبة} بطولة نادية الجندي بالإضافة إلى أفلام : {حماتي بتحبني} بطولة ميرفت أمين ومن قبله {كباريه}، {الفرح}، {ساعة ونصف}. لكن الانقسام حول الدور الذي يلعباه في خدمة صناعة السينما المصرية أو الإضرار بها ظل محتدماً، وبلغ ذروته باتجاه عدد من المحامين إلى مقاضاتهما في ساحات المحاكم! هنا بدا وكأن الوضع المتوتر في حاجة إلى معجزة تُنهي الأزمة وتحول دون تفاقم المشكلة التي تزداد سخونة يوماً بعد الآخر، وإذا بالأقدار ترتب لشيء لم يكن في الحسبان على الإطلاق، فإدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اتخذت القرار الجريء باختيار فيلمي {من ضهر راجل} و{الليلة الكبيرة} ليمثلا مصر في المسابقة الرسمية للدورة السابعة والثلاثين للمهرجان!

Ad

تتساءلون بدهشة: {ما الجرأة في اختيار فيلمين ليمثلا مصر؟ وما علاقة هذا بالأزمة التي تتحدث عنها؟}.

العلاقة وثيقة يا سادة، فالفيلمان اللذان اختيرا لتمثيل مصر من إنتاج {آل السبكي} الذين طالب الكثيرون برأسي اثنين من أبنائهم، والصناعة التي زعم البعض أنها تعرضت للتدمير والخراب على أيدي أحمد ومحمد السبكي لم تجد أفضل من الفيلمين اللذين مولهما {السبكية} من حر مالهما أو من عائدات محلات الجزارة التي اعتاد البعض معايرتهما بها! إنها {عدالة السماء} التي هبطت على 17 شارع قصر النيل، حيث المقر الدائم لإدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ففي الوقت الذي لم تُفلح فيه محاولات الشقيقين للدفع بأدلة براءتهما عبر القول إنهما {صنعا أفلاماً ستعيش في ذاكرة السينما المصرية (..) وحالا دون إغلاق بيوت كثيرة في وقت انسحب فيه أباطرة الإنتاج من الساحة خوفاً على أموالهم (..) وحافظا على عمال صناعة السينما من الضياع والتشرد} جاء قرار اختيار {من ضهر راجل} و{الليلة الكبيرة} لينافسا باقة من الأفلام العالمية على جوائز مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ليُلجم ألسنة الداعين إلى مقاطعتهم ومحاكمتهم، إن لم يُخرسها إلى الأبد، فاتهامات على شاكلة أنهم {يشيعون الفسق والرذيلة في المجتمع}، و{يدمرون أخلاقيات الشباب} و{يسهمون في ارتفاع معدلات الجريمة والبلطجة} لم تعد تنطلي على أحد، وأكبر الظن أنها سقطت من دون رجعة،  فالكل يعلم تبعية مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لوزارة الثقافة التي تتبع بدورها الدولة المصرية، ومن غير المعقول أن تغض وزارة الثقافة الطرف عن اختيار فيلمين من إنتاج آل السبكي في المسابقة الرسمية ثم تستجيب، بعد انتهاء المهرجان، إلى الدعوات المُطالبة بمحاكمة أصحابهما! الأهم من هذا أن المعيار الوحيد الذي ينبغي أن نحتكم إليه في ما يتعلق باختيار فيلمين من إنتاج آل السبكي ليمثلا مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي هو معيار الجودة، بمعنى أن علينا أن نواجه أنفسنا بسؤال مركب: {هل تمتع الفيلمان بالسوية الفنية العالية التي تؤهلهما لدخول هذا المعترك؟ وهل نجحا في تمثيل مصر أم جلبا عليها العار؟}.

أرجح الاحتمال الأول، نظراً إلى أن اختيار الفيلمين جاء بقرار اتخذه ناقد سينمائي مرموق ومخضرم هو يوسف شريف رزق الله المدير الفني للمهرجان، واستبعد الثاني بعد ما عودنا الكاتب أحمد عبد الله والمخرج سامح عبد العزيز على التألق، كما فعلا في فيلمي {كباريه} و{الفرح}، ونتوقع أن يكرراه في {الليلة الكبيرة}، وهو الأمر الذي ينطبق أيضاً على تجربة المخرج كريم السبكي والكاتب محمد أمين راضي في فيلم {من ضهر راجل} فالاثنان لديهما مخزون إبداعي هائل.