القرآن... والإسرائيليات!
كثيرة هي المحاولات التي سعت إلى التوفيق بين القرآن والإسرائيليات!ومن أبرز الساعين في هذا المجال: محمد بن اسحاق- صاحب السيرة- ووهب بن منبه، وكعب الأحبار.
وكان أبو اسحاق (النظّام) يقول: لا تسترسلوا إلى كثير من المفسرين وإن نصّبوا أنفسهم للعامة وأجابوا عن كل مسألة... فإن كثيراً منهم يقول بغير رواية، وعلى غير أساس، وكلما كان المفسر منهم قد أغرب، كان أحب إليهم.فعكرمة، والكلبي، والسدّي، والضحّاك، ومقاتل بن سليمان، وأبوبكر الأصم وغيرهم، كما ذكرهم الجاحظ في كتاب الحيوان صفحة 343، لا يعتد بهم.* * *والمحاولات التي جعلت الإسرائيليات تتسرب إلى المأثورات الإسلامية كان سببها كثرة تفاسير القرآن. ففي القرنين الثاني والثالث الهجريين، تقدمت العلوم بأنواعها من لغة ونحو وبلاغة، وكثر الجدل الديني والعقائدي بوجه عام، إضافة إلى تصنيف كتب كثيرة تناولت القرآن وتأويله مثل "غريب القرآن"، و"مشكل القرآن"، و"مجاز القرآن"، و"معاني القرآن"، و"معاني إعجاز القرآن".وذكر ابن النديم، في فهرسه، عناوين الكتب المصنفة لتفاسير القرآن على صفحتي 33 - 35 وذكر من ألّفوها.وتعددت كتب التفاسير وتنوعت بحسب مذاهب المفسرين، فالطبري مثلاً اتبع التفسير بالمأثور، أما التفسير بالرأي فقد اتبعه الزمخشري المعتزلي... في حين اتبع الرازي الأشعري... والطبرسي سار مع تفسير التوجه الشيعي... وهكذا.عملية تفسير القرآن وتأويله كانت محل خلاف بين المدارس المختلفة، فكل مدرسة مذهبية فسرت النص القرآني وفق اتباعها المذهبي، مما جعل الصراع العقائدي والفكري يشتد بين أهل "السنة والجماعة"، وأهل "العصمة والعدالة" أي الشيعة، وأهل "العدل والتوحيد" أي المعتزلة، وأهل "الحق" أي المتصوفة!فكان من الطبيعي في خضم هذه الصراعات أن يذهب البعض منهم إلى تأويلات جنحت به إلى اجتهادات مختلفة، فمثلاً: مجاهد يفسر قوله تعالى: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" (القيامة: 22 و23) على اعتبار ناظرة مشتقة من الانتظار لا من النظر!والزمخشري فسر: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (طه:5) بأن الغرض تصوير أثر قدرته تعالى في المقدرات لا غير!هذه لمحة مكثفة، في هذا الشهر الفضيل، من كم لا يعد ولا يحصى تدور حول ما تعرض له القرآن من اجتهادات حاول البعض فيها إقحام الإسرائيليات أثناء تأويل القرآن!