«الثقافة العربية... استحقاقات مستقبل حائر»
شهدت مدينة الإسكندرية الساحلية بمصر، فاعليات مؤتمر «الثقافة العربية.. استحقاقات مستقبل حائر» الذي نظمته مكتبة الإسكندرية (16 -17 نوفمبر) بمشاركة ما يزيد على 300 مثقف عربي ومصري وخبراء في مجالات الثقافة والمعرفة والآداب من 22 دولة عربية، ناقشوا على مدى جلسات عشر، قضايا حيوية مطروحة على الساحة الثقافية في الوطن العربي بينها التراث العربي المهدد بالاندثار.
افتتح المؤتمر كل من الأديب الجزائري، الدكتور واسيني الأعرج، الأستاذ في جامعتي الجزائر والسوربون، والدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، والدكتور خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات المركزية بمكتبة الإسكندرية، والدكتورة منى فياض، الكاتبة اللبنانية والأستاذة الجامعية. وأعلن الدكتور إسماعيل سراج الدين في بداية المؤتمر ثلاث مبادرات جديدة ستبدأها مكتبة الإسكندرية لخدمة الثقافة العربية، وهي: مشروع {ذاكرة الوطن العربي} على غرار مشروع ذاكرة مصر المعاصرة الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية، مبادرة {ديوانية الشعر العربي} التي ستبدأ في يناير 2016، ومبادرات الشراكة مع المؤسسات الثقافية في الوطن العربي التي تهدف إلى تضافر الجهود ضد القوى الظلامية وأفكار التطرف.
بدوره أوضح الدكتور خالد عزب أن المؤتمر الذي يعقد، للمرة الأولى، يشهد مشاركة مجموعة مثقفين ومفكرين عرب من مختلف الدول العربية، فضلا عن مثقفين من موريتانيا يشاركون للمرة الأولى في مكتبة الإسكندرية، معرباً عن سعادته بحضور الدكتور واسيني الأعرج، كونه من أوائل المثقفين الجزائريين الذين زاروا مصر في أعقاب مباراة كرة القدم الشهيرة بين منتخبي مصر والجزائر، وقدم يومها روحاً عربية وأدبية تجاوزت كل الخلافات.من جهته تحدث واسيني الأعرج حول ما أطلق عليه {الوضع البائس} الذي تعيشه المجتمعات العربية، مبيناً أن الثقافة أصبحت جزئية ثانوية، وتدهورت القضية الثقافية في ظل التفكك العنيف للدولة العربية التي لا تتيح فرصة لبناء منظومة ثقافية جديدة، مؤكداً أن مسألة {الانفصال} من القضايا المهمة التي يجب أن نتأملها حينما نتطرق إلى الثقافة العربية، {فقد عانى المشروع الثقافي العربي أزمات كثيرة وممارسات غير صحيحة، والممارسات السابقة تحتاج وقفة وإلا سنعيد إنتاج المعوقات السابقة}.لفت إلى أن تلك الممارسات تعود بنا إلى القرون الوسطى والتيارات المتطرفة، أن علاقة تلك التيارات بالثقافة علاقة متطرفة وتدميرية، وأن الثقافة هي المستهدف الأساسي من الحوادث الإرهابية حول العالم كالحادث الأخير في باريس، مؤكداً أن الدولة لا يمكن أن تقوم بدور الرقيب على الثقافة، بل يجب أن تكون مساهمة ومشاركة في العملية الثقافية،هنا يأتي يرتسم السؤال: كيف نجعل من الثقافة وسيلة للمواطنة؟ أضاف: {يجب أن ننظر إلى المسألة الثقافية من بعدها المتعدد.. وهل العنصر الديني مازال فاعلاً؟ ماذا نريد من المجتمع؟ كيف نتمكن من خلق جيل مميز؟} مشدداً في نهاية كلمته على أن المشروع الثقافي العربي يحتاج رؤية تعددية، رؤية واضحة من طرف الدولة المتبنية لمشروع المواطنة، وجهداً متكاتفاً من المثقفين.مفهوم الثقافة تحدثت الدكتورة منى فياض حول مفهوم الثقافة، مشيرة إلى أنها تتفق مع التحليل الأنثروبولوجي لمفهوم الثقافة، والذي يتضمن البعد الثقافي المخفي، «فالثقافة تؤثر على وجودنا ونظرتنا للأشياء، وهي تعد وسيلة للرؤية والتأويل والنظر والتعامل مع العالم، وتحتوي على الأدوات والمواثيق والمعتقدات.أضافت أن {الأفكار هي المحرك الأساسي لحياتنا، وهي التي تنظم المواثيق بجميع أنواعها، وأننا في عالمنا العربي نحترم العلم من دون الاهتمام بالمعرفة والخلفية التي أنتجت هذا العلم، كما أننا سمحنا بالغزو الثقافي الذي جعلنا نستخدم المنتجات الغربية من دون معرفة كيفية إنتاجها}، مشددة على ضرورة الاهتمام بالتربية والمعرفة مثل الاهتمام بالعلم، {فهؤلاء الذين ينفذون أعمالاً إرهابية حصلوا على تعليم تقني عال من دون معرفة أسباب ابتكار التقنيات والحرية الفكرية التي سمحت لهذا الإنتاج الفكري}..و شهد المؤتمر، نقاشاً حول {الأدب في الوطن العربي.. الواقع ورؤيا المستقبل}، واثيرت تساؤلات، منها: هل بقي للأدب والرواية العربية ما تقوله في ظل ما يعيشه العالم العربي الآن، وتفرد {سلطان الرواية} على باقي أنواع الثقافة العربية، حالياً، حالة طبيعية أم أنها مرتبطة بظروف استثنائية؟ كذلك شهدت الجلسة، انتقاد محيي الدين اللاذقاني، ما وصفه بحالة الدونية التي يشعر بها المثقف العربي أمام الثقافة الغربية، وثقته المحدودة بنفسه، رغم حضارته وتاريخه، والحصار الذي تفرضه بعض الأنظمة الاستبدادية على المثقف العربي.اشار الناقد المغربي شعيب خليفي، إلى أن الشعوب العربية تعتبر الثقافة المجال الوحيد للخروج من المحن التي يعيشها العالم العربي من القرن التاسع عشر وبداية الاستعمار الغربي، وأن المتطرفين عموماً أعداء للثقافة ويرون في المثقف عدواً يجب الخلاص منه، وأن عمر المثقف وإبداعه وتاريخه أكثر وأوسع عمقاً من السياسي، واصفاً المثقف الذي يرتبط بأحضان السلطة بأنه {فاشل وجاهل} مهما حقق من مكاسب. وطالب الدكتور محمد أبو الشوارب، بضرورة خروج المثقف العربي من عزلته وشرنقته داخل نفسه ومجتمعه، رافضا مقولة إن الإعلام هو من يحرك بوصلة الجماهير في العالم العربي، {العكس هو الصحيح، والجماهير هي من تحرك بوصلة الإعلام والميديا}، حسب قوله.وتساءل الروائي العماني، خلفان بن حمد الزيدي، هل منح المثقف والأديب العربي أي دور للإصلاح وأخفق؟ وقال: {يحمل الكاتب والمثقف العربي ما لايحتمل، فهو مطالب بالتصدي للرقابة ومطالب بمواجهة ضعف مستوى التعليم وغيره من المشاكل، وبالتوافق مع السلطة وإلا مصيره تضييق الخناق.الصحافة والثقافةأيضاً شهد المؤتمر جلسة نقاشية حول {الصحافة والإعلام والثقافة المعاصرة}، أكد خلالها المثقف السوري، محيي الدين اللاذقاني، {أن حرية الإعلام وحياده هي أكبر وهم نعيشه كعرب، ولمسته بنفسي خلال حياتي في لندن والغرب عموماً} واصفاً الإعلام العربي {المهاجر} والقنوات العربية الموجودة في أوروبا، بأنها تعيش حالة من الحرية المؤقتة. اعتبر الإعلامي المصري جمال الشاعر، المشاهد في مصر، بأنه {ضحية} لرأس المال الإعلامي، ممثلا في أصحاب القنوات الفضائية الخاصة، الذين باتوا أقوى من السلطة السياسية في بعض الأحيان، وبات الولاء للمعلن وليس للمشاهد، واصفا قناة {بي بي سي} البريطانية بأنها نموذج جيد للإعلام المملوك للدولة، وتتمتع بمهنية واستقلال تام عن رقابة الدولة، ولديها ميزانية مستقلة ولا تخضع لسلطان أحد سوى مجلس العموم البريطاني.