بريق خداع

نشر في 14-09-2015
آخر تحديث 14-09-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم بعض الكتب التي أبتاعها من معارض الكتاب وبعض ما يهدى إلي من مؤلفات للكتّاب الشباب وغيرهم، مما لا أجد لها أي جاذبية تشدني لقراءتها، وأجدني بالكاد أنهيها لمجرد معرفة نهاية هذه الكتابة المملة وما الهدف منها والغاية المرجوة التي دفعت الكاتب الى طريق الكتابة التي تخلو من أهم دافع مرجو من القراءة ألا وهو المتعة، التي لا تتأتى إلا من تمكن الكاتب من معايير الجودة الفنية والجمالية للنص المكتوب، قد لا يعيها الكاتب بشكل تام وواضح، لكنها تتوالد من حرفية الكاتب وقدرته على مسك وإدارة دفة العمل الأدبي، الذي يسيره حدسه الفني ومدى حساسية استشعاره لما يكتبه ويصوغه لأساسيات بناء نصه الروائي، وبالطبع يسبق مرحلة البدء في الكتابة مرحلة الإعداد لها، أي التقاط الفكرة أو البذرة وتنميتها في الداخل، وهذه التنمية قد تكون شهورا أو تمتد لسنوات في الحاضنة الجنينية، وأنا من الذين يحتضنون بذرة الرواية وقتا طويلا حتى تنضج في الداخل ويحين وقتها، ساعتها أجلس للكتابة، وحينما أبدأ في العمل لا أضع في رأسي معايير للجودة لكني أنصاع الى حالة التدفق التي تجتاحني وتكتب ذاتها على الورق، وحتى عند محاولتي تغيير جملة أو كلمة أجد أن الأصل الذي تولد من التدفق أفضل بكثير من محاولتي للتغيير أو التبديل، إذن هناك كمبيوتر في عقل الكاتب يدرك ويخزن معايير لأساسيات الكتابة من دون وعي كامل من صاحبها، لذا أستغرب من الكتابات الفاقدة لمتعتها الفنية والجمالية التي تتصدر الأضواء الآن بصخب الإعلانات البراقة والانتشار الكبير على جميع وسائل الميديا السمعية والبصرية، ويُكتب على غلاف كتبهم الطبعة الثانية والثالثة وتمتلئ الصحف بأحاديثهم والقنوات التلفزيونية بمقابلاتهم وبحفلات التوقيع المزدانة بالزهور وصورهم تتصدر المعرض وحملات "التويتر والفيسبوك والانستغرام"، مما يُغري القراء لشراء هذه الكتب على أمل أنها أعمال جيدة طالما حصلت على كل هذا الترويج.

أنا من الذين يقعون أيضا بفخ الترويج المتقن خاصة عندما يكون العمل من الروايات التي تضمنتها قائمة ترشيح جائزة البوكر العربية، فحينئذٍ تتصاعد مصداقية قيمة الكتاب ويُستبعد من ذهن القارئ فكرة الترويج الخادع، خاصة عندما تكون أسماء الكُتاب براقة أكثر من عملها.

عندما تفقد القراءة متعتها فما الفائدة المرجوة منها ولماذا كُتبت أصلا؟

لا يكفي أن يكون الموضوع الذي يدور حوله النص جيدا، لكن المعالجة فاقدة جاذبيتها ويعتريها برود خال من حرارة الشغف التي تدفع لالتهام النص والتمتع بلذته المعرفية والجمالية والفنية، لأنه في النهاية الكتابة عمل أدبي فني يجب أن يجب أن يصل بالقارئ إلى لذته المرجوة من القراءة، لكن حين يجر القارئ نفسه جرا من صفحة إلى صفحة وهو متململ لكنه يأمل أن تتصاعد جاذبية النص في الصفحات التالية.

كل مكان أزوره في الصيف أترك خلفي كتبا من هذه الروايات فاقدة الجاذبية حتى وإن كان بريقها كبيرا، لكنه بريق خادع.

من هذه الروايات التي لن أذكر اسمها حتى لا يصيبني رصاص كتابها، أقصد عداوتهم، لاحظت سبب فقد الجاذبية في احداها مع أهمية وقيمة موضوعها، وهي من الروايات التي وصلت الى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، كان الحشو الزائد فيها الذي لا مبرر له سوى أن يزداد النص بالحكايات التي لا تنتهي مما أثقل الخطوط الرئيسية في الرواية بقصص متراكبة ومتعددة ليست من جوهر العمل ذاته ولم تضف له أي فائدة سوى حشو الثرثرة الفائضة، مثال على ذلك عندما كتب عن بطل الرواية أو أحد شخصياتها الرئيسية، أخبرنا عن معارفه الأقربين، أهله وأصدقائه ثم أصدقاء أصدقائه ثم أقارب أصدقائه أو معارفهم أو معارف المعارف، وهكذا مما جعل الرواية تزدحم بأخبار لم يكن لها أي ضرورة.

الرواية الثانية كاتبها اشتغل على لمعان اسمه أكثر من روايته، وعندما قرأتها وجدتها ضعيفة، ذكرتني بروايات عبير وغيرها مما يُكتب لليافعين مع أنه لم يكتبها لهم، مما ذكرني بمثل يقول: "الجنازة حامية والميت كلب".

عندما تُترك الكتب على مقاعد الحافلات أو في الأماكن التي نتركها خلفنا فهذا يعني أنها حتما فاقدة لجاذبيتها ومتعتها المرجوة منها، لذا مكانها الطبيعي يكون على رف النسيان.

back to top