قضية منع الكتب من قبل وزارة الإعلام، بدعوى التنظيم والمراجعة، استنادا إلى نصوص قانون المطبوعات والنشر، تستحق التوقف عندها من قبل المختصين ومؤسسات المجتمع المدني ونواب مجلس الأمة ممن يعرف عنهم مناصرتهم لحرية الرأي والتعبير.

Ad

ما تقوم به وزارة الإعلام بجريمة المنع ومصادرة الكتب تحت اسم التنظيم أمر يثير الحسرة والإحباط للمفكرين والكتاب الذين حصلوا على جوائز من منظمات معروفة وبارزة في مجال التأليف والإبداع الفكري جراء مؤلفاتهم التي أعدوها، والتي تم تسويقها وانتشارها لأهمية ما تحمله، بينما تأتي وزارة الإعلام وتمنع تلك الكتب تحت شماعة «مخالفة الآداب العامة والنظام العام» التي عصفت بحريات الرأي والتعبير والصحافة في الكويت، وباتت طوق النجاة الذي تحتمي به مؤسسات الدولة المتعددة إذا أرادت منع أو حظر أي حرية أو حق كفله الدستور، فسارعت إلى التذرع بتلك الشماعة لدرجة أننا كقانونيين نخجل من وجود تلك المفاهيم والمصطلحات التي تلف تشريعاتنا رغم تأكيد الدستور في المادة ٣٢ منه أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، بينما يأتي قانون المطبوعات وغيره من القوانين التي تفوض السلطة التنفيذية باعتبار ما تراه هي كسلطة مخالفا لرأيها للآداب العامة أو النظام العام فتحظره، في حين أن الدستور ذاته يشترط أن تحدد الأفعال المجرمة على سبيل الحصر وفقا لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، حتى يتجنب المخاطبون تلك الأفعال ويبتعدوا عنها ويتنبهوا لتجريمها.

ما تستند إليه وزارة الإعلام، وغيرها من الوزارات لمواد «الآداب العامة والنظام العام»، يجب أن يخضع للتقنين والتحديد من قبل المشرع الكويتي مجددا، وإلا وصمت هذه التشريعات بشبهة عدم الدستورية لمخالفتها مبدأ شرعية القوانين الذي نصت عليه المادة ٣٢ من الدستور.

تعطيل الكتاب في الكويت من قبل عدد من الأشخاص يشرف عليهم الوزير دون أن يكونوا أصحاب الاختصاص القانوني ولا القضائي ولا الإعلامي، ليقرروا منع ما يريدون ويسمحون بما يريدون، ليس له تبعات على المؤلفين والكتاب في الكويت، بل سيجعل حركة الإنتاج الفكري تتوقف وتتعطل أو تستمر بصورة سطحية سمجة لا قيمة لما يكتب ولا جوهر لما يطرح، وليس لفكرها إلا أن يتقيد ويتراجع بسبب سيف الرقابة المصلت على أي فكرة أو طرح قد ينتجه أو أن يبتدعه، ولأن تلك الأفكار لا تسير وفق هوى أعضائها، وبالتالي فإن على الكتاب إما أن يهاجروا ليطبعوا أعمالهم خارج الكويت، لأن قوانين تلك الدول ولوائحها تسمح بتداولها، ولجانها الرقابية أرحم بكثير من لجاننا، رغم أننا من يحمل دستورا وديمقراطية وحريات صحافية يفترض أنها تفوق حرياتهم، ونحن من صدرنا الفكر والرأي والفن في المنطقة، لكنهم سبقونا بالرقابة عليها!

الإحباط الذي يعيشه العديد من الكتاب والمؤلفين سببه التفسير السيئ لقانون المطبوعات ولجان وزارة الإعلام غير المختصة في شؤون الرقابة، وبات مهما أن تعيد الوزارة تشكيل تلك اللجان، وأن تأتي بأصحاب الاختصاص بمن يدركون حقيقة الآداب العامة أو النطام وحرية القارئ، بالاطلاع على المعلومة والرأي، وبين ما هو مسموح بتداوله في تلك الكتب، كونه مسموحا ومتداولا في صحفنا اليومية وفضائياتنا، والدواوين التي تجمعنا يوميا، علاوة على أنه لا يمثل أي جريمة معاقب عليها وفق القانون، بعيدا عن فكرة التوازنات والتفسيرات الخاطئة والاستنتاجات التي لا تزيدنا إلا تخلفا ورجعية باسم القانون ومصطلحاته!