لكم الخيار
بعد إعدام الشيخ نمر النمر مع آخرين في السعودية، طفحت التغريدات هنا بالكويت، وليس في الرياض أو طهران، بتعليقات متشنجة، هي إما مع الإعدام أو ضده. لم تكن التغريدات، سواء المؤيدة أو الرافضة، تعبر عن رأي وقناعة أصحابها بتنفيذ الحكم ضد الشيخ نمر، ولم تكن تناقش أسس ومبررات قبول الحكم أو رفضه، بل كانت تعبر عن حالة طائفية متشددة ونزعة تعصبية مذهبية وعرقية متأصلة في النفوس.من حق المغردين وغيرهم أن يعبروا عن آرائهم في قضية الإعدام، وغيرها من القضايا التي تضج بها الساحة الخليجية القلقة اليوم، ولهم أن يناقشوها كيفما شاؤوا، رغم المحظورات الرهيبة في القوانين الكويتية وممارسة السلطة في السنوات الأخيرة بقمع الرأي الآخر، وتحريك الدعاوى القضائية ضد العديد من المغردين، فتبقى، رغم ما سلف، حريات الضمير هي الأهم في سلم الحريات والحقوق الفردية.
الذي حدث، بالتغريدات الأخيرة، مع "البهارات" التي أضافها عدد من نواب المجلس، أنها لم تكن مجرد تعبير عن فكر ورأي، بل كانت حرباً بالكلمات واللكمات الطائفية، كانت تخندقاً طائفياً بامتياز، أعاد أصحابها ذكرى حرب البسوس وحكايات المهلهل والزير سالم! شعرت عند قراءة بعض تلك التغريدات أن أصحابها كادوا يغادرون مقاعدهم وأجهزتهم الإلكترونية، ويحملون الرشاشات للإجهاز على الطرف الآخر، بعد أن تم تصنيفه على أنه شخص لا ولاء له للوطن، طالما لم يتفق معهم، وطالما ظل يحمل رأياً مخالفاً لهم. كنت أفترض أن هناك قدراً معيناً من الثقافة الإنسانية المتسامحة عند البعض، يملي على أصحابه قليلاً من التجرد الفكري قبل إصدار أحكامهم، لكن الذي حدث أنهم كانوا يفكرون بمشاعرهم الدينية، كانوا يتحدثون عبر ميكروفونات العاطفة المذهبية التي طوحت بحكم العقل جانباً، وأدخلتهم بالتالي في خانة تصنيف إما معي أو ضدي، وحسب شعار أنا الحق وغيري هو الباطل الراسخ في مجتمعات أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب.بمثل هذه الغوغائية في التعبير عن المشاعر والتحريض على الآخر، نسأل ماذا أبقينا للسلطة عندما تقمع الرأي الآخر؟ وهل أضحى بمقدورنا لومها حين تحدد وحدها تخوم حرياتنا الفكرية، ونحاسبها حين تخلط بين مفاهيم التحريض على الكراهية وحقوق التعبير...؟أمامنا تحديات كبيرة في الداخل والخارج، وستكبر تلك الأخطار يوماً بعد يوم مع تناقص موارد الدولة، أساساً، ودخول الأفراد معها بالتبعية، فهل ستعني هذه التحديات المتنامية تلاحماً داخلياً قوياً لمجابهة الخطر، مثلما حدث أيام الغزو العراقي، أم ستوصلنا إلى حافة الهاوية، حين نحمل سيوف الجساس والزير سالم، ونتخندق بالهويات القبيلة - المذهبية ونغرق بحروب الثارات؟