"عبيد سابقون" في موريتانيا يروُون فظائع "الأسياد" بحقهم
مع استقلال موريتانيا عن الاستعمار الفرنسي في 28 نوفمبر 1960 شرعت الدولة الوطنية في محاربة العبودية باعتبارها الظاهرة الأكثر تجذراً والأكثر انتشاراً والأكثر إعاقة لبناء المجتمع المنشود، ومع ذلك فإن القوانين التي تُحرم الظاهرة لم ترَ النور إلا مع بداية عقد الثمانينات وبضغط من قادة الإطار الحركي المُتشكل حينها حديثاً "حركة الحر".
شكل هذا الإطار أبرز أُطر شريحة "لحراطين" (السود)، وقد تعهد هؤلاء الأطر بالنضال الجاد من أجل الانعتاق والمساواة والكرامة، فصدر مرسوم رئاسي سنة 1981 يدعو الموريتانيين إلي نبذ الظاهرة و تجريم الاسترقاق، ورغم أن البعض قام بتحرير عبيده تحت ضغط هذا القانون إلا أن الظاهرة لم تتلاشَ حسب بعض المنظمات الحقوقية.انتخاب أول برلمان تعددي حقيقي سنة 2006 جاء بمسعود ولد بلخير وهو أحد أفراد شريحة "لحراطين" سابقاً كما أنه أحد مؤسسي حركة "الحر"، رئيساً للبرلمان الموريتاني فدفع بالقانون المجرّم للعبودية إلى البرلمان ليتم إقراره بالإجماع سنة 2007، لتتوالى القرارات والمراسيم المتعلقة بالظاهرة، فتم إنشاء محكمة خاصة بالنظر في الجرائم المتعلقة بالعبودية، وإنشاء وكالة برتبة وزارة سنة 2013 عهدت لها الحكومة مهمة اجتثاث بقايا الظاهرة وتنفيذ برامج إنمائية لمصلحة الأرقاء السابقين، وأقر البرلمان الموريتاني مطلع عام 2015، قانوناً يعتبر أن الجرائم المرتبطة بالاسترقاق هي جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.تتحدث الحكومة الموريتانية عن وجود مخلفات ورواسب ظاهرة العبودية فقط لا غير، وتقول إنها تسعي جاهدة للقضاء عليها، وتنفي أن تكون الظاهرة لا تزال ممارسة في البلد، في حين تؤكد منظمات حقوقية وجودها وخصوصاً في أعماق البلاد وفي أماكن البؤس ومثلث الفقر، حيث غياب التنمية وانتشار الجهل والأمية، وحيث تمارس هذه الظاهرة على مدار اليوم علي شريحة "لحراطين".CNN توجهت إلى أعماق موريتانيا حيث معقل الأمية ومنبع ظاهرة العبودية، وذلك لغرض رصد أهم تجلياتها وأبرز مظاهرها، لكنه اصطدم بسوار الصمت الذي تضربه ساكنة المنطقة على الموضوع، تنفيذاً لأوامر وجهائها وبتواطؤٍ من الجهات الرسمية معهم."هابي "وشقيقها "بلال" كسرا جدار الصمت وقررا الحديث عن تجربتهما المريرة وهما يعيشان في نير العبودية ويُعاملان كقطعة من أثاث ومتاع بيت "سيدهم" فلا وزن لمشاعرهم ولا قيمة لأحاسيسهم ولا مراعاة لآدميتهم. "بلال"هو رجل أربعيني لا يعرف متى وُلد، لكنه يعرف أنه وُلد وهو مملوك لأسرة (...) التي لها الحق التام في التصرف فيه كيف تشاء، فكان يقوم بسقاية قطعان الإبل، و جلب الماء لأسرة "مالكه" حتى لا يستيقظ والمياه غير متوفرة لأن ذلك يعني معاقبته بالصفع والجلد والحرمان من الطعام لأيام.زهاء أربعين سنة قضاها "بلال" وهو يرتشف كأس الذل والمهانة حتى الثمالة، ويصبح و يمسى على عبارات السب والشتم، والذم والقدح التي لا تطاله لوحده وإنما تتجاوزه لتشمل والدته وأخواته، وكان كلما استشار والدته في ذالك أشارت عليه بأن تحمُل ذالك هو واجب ديني وحدثته عنه ضرورة الصبر والاحتساب من أجلها.كان "بلال" دائماً ما يشهد على عملية اغتصاب والدته وشقيقاته من طرف سيده وأبناء سيده فكانت والدته تقول له بأن تصرف السيد فيها وفي بناتها يكفله له الدين والشرع، يقول "بلال" لـ CNN بالعربية:"كان في داخلي إحساس يرفض هذه الممارسة ويريد التمرد عليها وكلما أسررت لوالدتي بتلك الأحاسيس حاولت وأدها، لكن ممارسة "الأسياد" كانت تغذي تلك المشاعر إلى أن خيرتُها بين أن أرمي نفسي في البئر وانتحر أو أن تسمح لي بالتمرد والهروب من هذا الجحيم فقبلت بتمردي على مضض، فكانت بداية مشواري مع الحرية، وكان أول يوم في حياتي التي تجاوزت الأربعين يمر على دون أن أسمع عبارة سب أو شتم أو تعيير أو تحقير، وكان تصميمي على تحرير والدتي وشقيقتي لا يماثله إلا كرهي لذالك الجو البغيض".أما "هابي" فتصرح لنا بالقول إن عودة شقيقها "بلال"سنة 2007 (بعد ثلاثين سنة من استرقاقها) رفقة منظمة حقوقية مناهضة للعبودية، وفرقة من الدرك الوطني لتحريرها من براثن العبودية والاستغلال والاغتصاب كان بمثابة نصر من الله وفتح عظيم، وتمضي في القول:"نعم لقد أصبحت حرة وسيدة نفسي وأفعل ما يحلو لي دون أن ينهرني أو يضربني أو يشتمني أحد، تفكيري الآن هو في كيف أضمن مستقبل أولادي بينما كان تفكيري في الماضي هو في كيف أتقي بطش وغضب وجبروت" سيدي، أن يمضي يوم واحد دون أن يتم ضربي أو تقييدي أو التنكيل بي فهو يوم سعادة بالنسبة لي"."بلال" و"هابي" يجزمون أن هناك الآلاف يعيشون في نير العبودية وهم يؤكدون أن من لم يُجرب مرارتها لا يستطيع تصورها.