ماذا يقول أحمد عبد المعطي حجازي في عيد ميلاده الثمانين؟

Ad

أتمنى أن أكون قد قدمت شيئاً في الأعوام الثمانين التي مضت، كما أتمنى الاستمرار في تقديم ما أستطيع تقديمه في السنوات المقبلة التي أعلم أنها قليلة، ولذلك يجب أن تكون، قدر الإمكان، غنية.

 ماذا يمثل الزمن بالنسبة إليك؟

 الزمن هو الحياة، هو المجال الذي نعيش فيه حياتنا، لذلك هو ضروري. لا نستطيع الحركة من دونه، فإذا تخيلت حياة بلا زمن لا أجد إلا الجمود والتحجر والموت، الزمن هو مجال المتعة، لكن بما أنه يمر فهو أيضاً ينتهي بالحياة إلى نهايتها، بقدر ما هو متعة وضرورة لا بد منه، هو سيف مسلط على رقاب البشر، خصوصاً إذا خلت الحياة من الإنتاج والإبداع وما يبرر الوجود، عندئذ يصبح الزمن بلا معنى ويفقد حتى صفته باعتباره زمناً، ويتحول إلى غموض وفراغ هائل.

  هل تشعر بالرضا عن رحلتك الإبداعية على تنوعها شعراً أم نثراً؟

أشعر بالرضا، عموماً، ولكن ليس معنى ذلك أنني راضٍ عن كل شيء. لكن مجموع ما قدمته سواء في الشعر أو النثر أو في الحياة يجعلني أشعر بالرضا، أتمنى، بالطبع، أن أقدم المزيد لا كماً ولكن كيفاً، أن يكون ما يقُدم في المستقبل أفضل مما قُدم في الماضي. عموماً، أشعر بالرضا، وهذا الشعور صدى لرضا الآخرين.

  كيف ترى القاهرة بعد ثورتين، تلك المدينة التي هاجرت إليها في منتصف الخمسينيات وعنونت ديوانك الأول واصفاً إياها بـ{مدينة بلا قلب»؟

القاهرة التي هاجرت إليها من الريف كانت مدينة أنيقة وجميلة، مشغولة بنفسها وأهلها عني، لك أن تتصوري شاعراً شاباً عمره 20 عاماً، لا أصدقاء له بالقاهرة، تلك المدينة التي قدم إليها ليجد فيها عملاً بعدما حرمته الحكومة من حقه في الوظيفة في قريته، فواجه صعوبات في بداية إقامته فيها.

قدمت إلى القاهرة في سبتمبر 1955 ووجدت عملاً في «روز اليوسف» بعد ثمانية أشهر، وواجهت مشاكل كثيرة لم تأخذ الطابع المادي، بل طابع إنساني عاطفي، شعرت بالوحدة والوحشة، أسرتي بعيدة عني، لا أصدقاء لي إلا  قلة تعيش في ذلك الوقت ومعظمها من الطلاب، فعشت مرحلة في منتهى الصعوبة، بين سبتمبر 1955 وحتى نهاية 1958، في تلك الفترة نظمت قصائد ديوان «مدينة بلا قلب»، وقدمته للدكتور سهيل إدريس، صاحب دار الآداب ورئيس تحرير المجلة، ورشح له شعراء هذا الديوان من بينهم أنور المعداوي ونزار قباني ورجاء النقاش، بالإضافة إلى أن القصيدة الجديدة كانت تكافح لتجد لها مكاناً، بعد هذه المرحلة أصبح لي أصدقاء عن طريق الحياة الأدبية، من خلال الندوات والروابط والأمسيات وكذلك المقاهي الأدبية، أو عن طريق «دار روز اليوسف» التي كانت تشبه مؤسسة أدبية وفنية، لأن معظم من عملوا فيها كانوا من الكتاب والشعراء والرسامين، وما لبثنا أن أصبحنا  أصدقاء، فإذا قارنت القاهرة الحالية بتلك التي هاجرت إليها في منتصف الخمسينيات فسأجدها اختلفت، لم أعد شاباً صغيراً يواجه الحياة ومشاكلها، الآن لي مكانتي في القاهرة ولا ينقصني شيء، ولم تعد القاهرة تلك المرأة الجميلة الفاتنة كما كانت عليه في أواسط الخمسينيات، وأتمنى أن ننجح ونعيد إليها جمالها وبهاءها.

كيف تتجلى صورة المشهد الثقافي الحالي من وجهة نظر شاعرنا؟

يعد بالكثير ولكن وعوده لن تُتاح إلا ضمن شروط لا بد من أن تكون موجودة لتزدهر الثقافة في مصر من جديد، تشهد الثقافة المصرية اليوم تراجعاً، والسبب الرئيس أن المؤسسات الرسمية المهيمنة على الثقافة في مصر تسببت في تدهور هذه الثقافة، يجب أن تستعيد المؤسسات الثقافية استقلالها وألا تكون حكومية، من واجب الحكومة  أن تساعد الثقافة لا أن تستولى عليها وتحول المثقفين إلى موظفين، ومن واجب المثقف المحافظة على استقلاله وهذا أحد شروط الازدهار، من دون الاستقلال والحرية لا يمكن أن يكون ثمة إبداع، لا أستطيع أن أكتب قصيدة أو أقدم عرضاً مسرحياً أو فيلماً سينمائياً بشروط الحكومة، علينا أن نستفيد من التجارب التي خضناها وأن نتعلم أن وزارة الثقافة لا تصنع الثقافة بل تساعد المصريين على صنعها.

أين حجازي من جائزة نوبل، وهل ترى أن لهذه الجائزة حساباتها الخاصة؟

أنا أحد المرشحين لنوبل من فرنسا منذ أوائل التسعينيات، كذلك رُشحت من مصر من قبل جامعة القاهرة لها، وكتبت تقريراً عن شعري للأكاديمية السويدية، بالطبع لجائزة نوبل حسابات خاصة ولكن من المؤكد أنها جائزة رفيعة، يمكن انتقاد بعض النتائج لكن الذين حصلوا عليها، عموماً، هم  أصحاب قيمة عالية.

رغم اعترافك بوجود شعراء لدينا إلا أنك صرحت بعدم وجود حركة شعرية.

 

لدينا شعراء بالطبع ومواهب يقدمون قصائدهم التي تنشر ونقرأها، ولكن ليس لدينا حركة شعرية، لأن هذه الحركة بالطبع تحتاج إلى نقد تطبيقي يتناول كل عمل على حدة، وآخر نظري يتناول الإنتاج الشعري عموماً ويصنفه ويرده إلى أصوله، الحركة الشعرية تحتاج إلى أن تتكامل عناصر النشاط، وهذه العناصر موجودة لدى المبدعين والنقاد والقراء والمؤسسات التي تتصل بحكم نشاطها بالشعر، لا بد من أن يؤدي كل طرف واجبه ليُقال إن لدينا حركة شعرية.

 

يرى البعض أنك لم تنجح في بناء علاقات جيدة مع الأجيال الجديدة، كما اتُهمت بانتهاء تجربتك الشعرية... كيف ترى ذلك؟

العلاقة مع الأجيال الجديدة ليست من طرف واحد بل من طرف الشعراء الذين ينتمون إلى الأجيال السابقة والجديدة، وهذه مسألة لها علاقة بما قيل عن الحركة الشعرية، القول إن تجربتي الشعرية انتهت «كلام عار من الصحة»، فلا يوجد شعر حقيقي ينتهي، تجربتي لم تنته لكنها ممتدة باستمرار، ثمة شعراء قدموا أعمالهم ولم يحتلوا مكانتهم التي يستحقونها إلا بعد فترة طويلة، عندما ظهر ناقد أو حركة نقدية وظروف جديدة ساعدت على هذا الظهور، شخصياً أعتقد أن تجربتي ليست مستمرة فحسب إنما ممتدة لشعراء كبار، في الأجيال التي ظهرت من بعدي، وثمة أسماء مهمة في الحركة الشعرية تعتبر نفسها امتداداً لي.

 

هل ترى أن تجربتك الإبداعية لقيت احتفاء لائقاً؟

 لا يهمني الاحتفاء الذي تقدمه الجهات الرسمية ولا أعبأ به، إنما يهمني أن يقرأني الناس وهذا يكفي، احتفى بي نقاد وشعراء كبار في دول العالم، ترجموا شعري وكتبوا عنه، كذلك  صدرت مؤلفات فيها مختارات عن شعري وأخرى فيها دراسات وهذا يكفي، الشاعر الجيد يعيش شعره في المستقبل وليس الحاضر، الشاعر الجيد يجب أن يراهن قبل كل شيء على المستقبل، لأنه في حياته يمكن ألا يلتفت إليه أحد، عندما ننظر إلى رامبو، وهو شاعر فرنسي معروف، بدأ ينظم الشعر في عمر الـ 13، وعندما وصل لعمر 19 عاماً كف عن كتابة الشعر وتُوفي وعمره 38 عاماً. لم يلتفت إليه كثر في حياته ولكن العالم كله الآن يتحدث عنه بعد رحيله بمائة عام، ولدينا أمثلة كثيرة في هذا الإطار منها أبو القاسم الشابي ومحمد عبد المعطي الهمشري إلخ.