اللاجئ هو المغادر لوطنه إلى جهة أخرى لأسباب اضطرارية، والمهاجر هو المغادر لوطنه إلى جهة أخرى لأسباب اجتماعية أو اقتصادية، والأول لا يعرف الصعاب والمشكلات التي سيمر بها، عدا فئة قليلة تستفيد من لجوء أوروبا أو أصدقاء لهم سبقوهم في اللجوء، أما الثاني فيعرف وجهته ومخطط مستقبله، وكلاهما يعيش في بداية تركه وطنه مشكلات حتى يتأقلم ويستقر، لكن القلق يساور الاثنين.
والملاحظ في هذه المرحلة التاريخية من حياة العرب، وفي ظل عدم استقرار عدد من الدول العربية، أن ظاهرة اللجوء إلى دول أخرى أصبحت الشغل الشاغل لعدد كبير من مواطني تلك الدول، بعضهم مضطر لمغادرة بلده بسبب الاضطهاد وعدم الاستقرار، وبعضهم للبحث عن ملاذ آمن وأكثر استقراراً ورخاء، كما أن عدداً من هذه الدول أصبح محوراً للجوء الهاربين من دول الجوار، وأصبح لاجئو بعض الدول العربية يتمتعون بالشهرة السلبية التي وصمت بلدانهم، وانكشاف أسباب تركهم لها مثل سورية والعراق مرورا باللاجئين الأفارقة بليبيا وجيبوتي، ووجهة معظم هؤلاء إلى أوروبا، الجنة الموعودة، مستخدمين وسائل النقل الخطرة عبر البحر المتوسط والبحر الأحمر، إذ يقوم عدد من المتعهدين لأسباب مادية بالترويج لهذه التجارة بالبشر، ويركزون في نشاطهم الدعائي على الجوانب الإيجابية لا السلبية حتى يمهدوا الطريق للاجئين جدد. إن وسائل الإعلام العربية والعالمية تحدثت في الأشهر الأخيرة عن موت أعداد كبيرة غرقاً في البحر المتوسط وغيره، لأن عملية نقل اللاجئين وتهريبهم غير قانونية، حيث تستخدم لذلك وسائل نقل صغيرة، وغير مهيأة لسلامة ركابها، كما يحشر أولئك اللاجئون فيها من مختلف الدول ويتعرضون للخطر، وبعضهم دفع حياته فيها، ومنهم أطفال ونساء لا يجيدون السباحة، حتى الذين يجيدونها يتعرضون لمخاطر البحر وأنوائه. أما المهاجرون فهم أكثر أماناً، حيث تكون هجرتهم في معظم الأحيان قانونية إما للعمل أو للدراسة، وفي حالة اللاجئين فإن القضية الإنسانية مطروحة وملحة على بلدانهم وعلى البلدان التي يلجؤون إليها، فهي تكشف حجم التخلف ونوعه والتدمير الذي يحدث في بلدانهم، وتكشف معاناتهم، كما تكشف سياسة تعامل الدول التي يلجؤون إليها معهم.نحن في هذا المقال لا نقدم إحصاءات عن أعدادهم، لكن وسائل الإعلام تتحدث عن عشرات الآلاف من اللاجئين شهرياً من الدول العربية إلى أوروبا وأستراليا، وقد أصبحت هذه الوسائل اليوم مصدراً مهماً للمعلومات، حيث توفر الخبر والصورة للحدث وآثاره، والمتابع لهذه الظاهرة يدرك حجم المشكلة وحجم الأضرار. لقد كنا نسمع ونقرأ عن اللاجئين الفلسطينيين بعد قيام إسرائيل واحتلال الأراضي العربية، وكانوا مضطرين إلى ذلك، كما كنا نسمع ونقرأ عن اللاجئين من دول المغرب العربي في فترة الاستعمار الاستيطاني إلى أوروبا وغيرها، وأن معظمهم أصبحوا مهاجرين، أما اليوم فظاهرة اللجوء عربية، وقد أصبحت سلعة تجارية بالبشر، وربما بعضهم غير مضطر للجوء، ويبقى السؤال: لماذا معظم هؤلاء اللاجئين من دول عربية؟! ولماذا لم يلجؤوا إلى دول عربية أخرى؟!إن دراسة الظاهرة تكشف عن حجم الأوضاع غير المستقرة وطبيعتها، لا بل عن التخلف الذي تعيشه بلدانهم والصراع الاثني المدمر.وإن المتخصصين والمثقفين العرب مدعوون لدراسة الظاهرة للوقوف على أسبابها الحقيقية وكيفية معالجتها، فالهجرة واللجوء ظاهرتان اجتماعيتان لكن أبعادهما السياسية والاقتصادية هي السمة التي تطبع هذه المرحلة التاريخية، فقد انقطعت السبل ببعض اللاجئين، وهلك عدد منهم وهم في طريق اللجوء، ومستقبل الآخرين يكاد يكون مجهولاً، فإلى متى تبقى تلك الظواهر السلبية؟لقد مرت على البشرية ظواهر مماثلة في تاريخها، لكن هجرة ولجوء أبناء العروبة اليوم تحدثان لأسباب سياسية في الغالب، وهذا يدل على أن العالم العربي الذي لا توفر دوله أمناً ومعيشة لمواطنيها يعيش حالة من التخلف، ويحتاج إلى عشرات السنين للاستقرار والبناء، أما تقدم هذه الدول فربما يحتاج إلى مئات السنين أو تحدث متغيرات تاريخية تضطرنا إلى التفاؤل أكثر من التشاؤم.يعتقد البعض أن سبب لجوء العرب إلى الدول الأوروبية اقتصادي لفقر دول اللاجئين، لكن الحقيقة هي لجوء سياسي لعدم استقرار تلك الدول، وترتب على عدم الاستقرار والأمن فقرٌ وتخلفٌ، وباستقرار هذه الدول وتنميتها ستعود أعداد كبيرة من أولئك اللاجئين إلى بلدانهم وسيمتنع لجوء آخرين، فهو لجوء قسري يجب أن يكون مؤقتاً.
مقالات
اللاجئون والمهاجرون العرب
29-12-2015