فؤاد المهندس... أستاذ الكوميديا ومهندس الضحك (6)

نشر في 08-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 08-07-2015 | 00:01
زواج على خشبة المسرح
استطاع الممثل الكبير الراحل فؤاد المهندس أن يخطف قلب الممثلة الشابة و{الأرملة في الوقت نفسه} شويكار، خلال عملهما معاً في إحدى المسرحيات. وكأيّ قصة حب ملتهبة، استطاع الممثل العاشق أن يخطب حبيبته رغم اعتراض أهلها، بل نجح في نهاية المطاف أن يقنع أسرتها به ويحقق أحد أفضل قصص الحب في تاريخ الفن المصري.

{الصب تفضحه عيونه}.. والمهندس بعيونه {الأربع} وتصرفاته واهتمامه المبالغ فيه بالأرملة الحسناء، و.. و... قطع كل شك باليقين. لم يعد خافياً على أحد من المحيطين بهما أن اهتمامه بها في إطار مساندة الزملاء أو  كنوع من الدعم الإنساني، ومع كثرة التعليقات والتساؤلات و{القفشات} كان مجبراً على مواجهة نفسه ومصارحتها بحقيقة مشاعره.

وكعادته، استغل فرصة توقف التمرينات واختلى بنفسه. راح يواجهها ويصارحها و... و... حتى تيقن فعلياً أن مشاعره تجاه شويكار ليست تعاطفاً أو مشاركة وجدانية، كذلك ليست صداقة كما حاول تقييمها في البداية، وأن مشاعره من دون شك مشاعر حب قوية لم يعد بإمكانه غض البصر عنها أو كتمانها. وبعد تفكير طويل، حسم أمره بضرورة التأكد من حقيقة مشاعرها أولاً قبل أن يصارحها برغبته في الاقتران بها، فالزواج كان هو النهاية المنطقية لمشاعر الحب الصادقة.

انتظر المهندس انتهاء فترة الأحزان واستئناف التمرينات، وكعادته ذهب مبكراً في اليوم الموعود، وجلس بانتظار الجميع، أو بالأحرى {طلة القمر} التي اشتاق إلى رؤيتها. وفي موعدها بالضبط، دخلت {الهانم} بابتسامتها الساحرة، وبالكاد ضبط انفعالاته في ترحيبه بها حتى لا يعرضها للقيل والقال، ولا تكون مثار {نميمة} من البعض.

مرَّت البروفة في سلاسة، ساعدته في ذلك قدرته على التركيز في عمله مهما كانت الظروف أو الأحداث، وقبل أن تنصرف تبادلا حديثاً قصيراً حول أحوالها وابنتها، ثم استأذنت وانصرفت. وفي المساء، حاول الاتصال بها مراراً، وفي كل مرة كان يغلق الهاتف قبل أن يصل بالرقم إلى نهايته. وبعد  محاولات فاشلة عدة منه، حسم أمره بضرورة الاتصال ولم يكن بحاجة إلى البحث عن حجة:

فؤاد: مساء الخير يا هانم.

شويكار: أهلاً يا أستاذ فؤاد مساء النور.

فؤاد: كنت حابب أطمن على الأمورة الصغيرة أخبارها إيه.

شويكار: الحمد لله اهي جنبي، وأول ما سمعت اسمك جت تجري عاوزة تكلمك.

فؤاد: اديهالي.. اديهالي.

وراح فؤاد يداعب الطفلة، ويتبادل معها الحديث إلى حد مطالبتها له بأن يحكي لها {حدوتة}، وهو ما تكرر في الأيام التالية، إذ كانت تجبر والدتها على الاتصال بـ {عمو فؤاد} كي يحكي لها {حدوتة قبل النوم}. وفي أيام أخرى، كانت تصر على أن تأتي إلى المسرح بصحبة والدتها لأجل {عمو فؤاد}.

اعترافات مسرحية

المؤكد أن البروفات ساعدت كثيراً على مد حبل الوصال بين الثنائي {شويكار وفؤاد}، ولم يعد خافياً على أحد أن ثمة مشاعر متبادلة بينهما، تعززها النظرات التي تحمل آلاف المعاني، الأحاديث الجانبية في فترات الراحة، وجبات الطعام التي يتناولانها معاً، و.. و... وظلت الحال على هذا النحو حتى افتتح العرض رسمياً، وكالعادة حقق نجاحاً منقطع النظير ومنذ الأيام الأولى، ما زاد من ارتباطهما يوماً بعد الآخر، وانعكس بالطبع على أدائهما على المسرح، خصوصاً أن العمل كان يدور حول محام شاب تضطره الظروف إلى السفر إلى الفيوم للترافع في قضية، وكعادته يحل نزaيلاً بأحد الفنادق هناك، والذي تصادف إقامته حفلة كبرى يحضرها جمهور عريض. إلا أن هطول الأمطار بغزارة تسبب في احتجاز رواد الحفلة بالفندق، لعدم قدرتهم على العودة إلى القاهرة في ظل السيول وغلق الطرق، ولأن {الفيوم} بلدة صغيرة، ولا توجد فيها فنادق كثيرة، لذا تستسمح الإدارة المحامي الشاب والذي جسد دوره الفنان فؤاد المهندس، لأن يستضيف بعضاً من ضيوف الحفلة، خصوصاً أن غرفته تتضمن ملحقاً بها، وهو ما رفضه بالطبع بطلنا. غير أن إحدى الفتيات، وأدت دورها شويكار، تتمكَّن بالحيلة من الدخول إلى غرفته، وبها أيضاً تتمكَّن من إقناعه بالمبيت في جزء من غرفته. لتتوالى الأحداث، ويقع الشاب في غرام الفتاة التي تقنعه أنها متزوجة، حتى يكتشف خدعتها في نهاية العرض، وبعد أن يخوض لأجل حبها الكثير من الصعوبات والتي كاد أن يدفع حياته سبباً لها.

ومع نهاية الفصل الأول، وبينما المحامي يحمل حقيبته ويودع الضيفة التي احتلت غرفته، مؤكدا لها أنه {بيحسد زوجها لأنه تزوجها، وأن أي رجل يتمنى الزواج منها}، إذا بفؤاد المهندس يفاجئ الجميع ويخرج على النص ممسكاً بيد شويكار قائلاً:

فؤاد: بحبك... ثم همس قائلاً: {تتجوزيني}؟

فردت بتلقائية: أخيراً نطقت...

لم يفاجئ اعترافهما المتبادل أمام الجمهور أياً من العاملين بالمسرحية، فمشاعرهما كانت أوضح وأصدق من تجاهلها، فيما الجمهور اعتقد أن ما قيل جزء من المسرحية، فتجاوب بالتصفيق والضحكات، خصوصاً عندما ارتجلت شويكار حركة أزاحت بها شنطة السفر التي هم المهندس للإمساك بها للتعبير عن رغبتها في ألا يرحل. ثم جلسا على الأرض، فأمسك يدها وظلا يتهامسان، وهو المشهد الذي أضافه لاحقاً عبد المنعم مدبولي. ومع نهاية العرض في هذا اليوم، حرص الجميع على الاحتفاء ببطلي العرض اللذين جمع بينهما الحب، فيما طلب فؤاد من شويكار سرعة تحديد موعد مع والدها لطلب يدها بشكل رسمي، وتحديد موعد للزفاف والذي رغب أن يكون في أقرب فرصة.

في صباح اليوم التالي، توجهت شويكار إلى منزل عائلتها والسعادة تملأ قلبها، وترتسم على ملامحها، كان والدها يتناول طعام الإفطار حينما بدات حوارها معه:

شويكار: بابا عاوزة أفاتحك في موضوع؟

الأب: خير؟

شويكار: في عريس متقدم لي يا بابا، وعاوز يجي يقابل حضرتك.

الأب: مين؟ حد أنا أعرفه؟

شويكار: فؤاد المهندس..

قبل أن تكمل شويكار حديثها، قاطعها والدها بحدة، وأخبرها بأنه لن يقبل تزويجها من ممثل، وأن ثمة شخصاً تقدم له لطلب يدها وسيراه قريباً للتعرف إليه، ثم واصل قائلاً:

 أنا وافقت على عملك بالتمثيل {بالعافية} علشان دي كانت رغبتك وبعد إلحاح وإصرار منك، لكني لن أقبل أبداً جوازك من ممثل تحت أي ظرف.

صدمت كلمات الأب شويكار، وأُسقط في يدها كيف ستخبر فؤاد برفض والدها الفكرة من أساسها، وعبثاً حاولت إقناع والدها بأنه شخص محترم، وأن {أخلاقه محترمة} و{ابن ناس كويسيين}. إلا أن والدها تمسك برفضه ناهياً الحوار بحدة تفهمها جيداً شويكار، وطوال الوقت تهربت من أخبار فؤاد هاتفياً بقرار والدها مفضلة مواجهته ومناقشة الأمر معه وجهاً لوجه، وهو ما حدث عندما التقيا في المساء، وقبل بدء العرض، ناقشا الأمر من كل جوانبه، واتفقا على إرجاء الزواج حتى ينتهيا من العرض، ويكونا قد بذلا محاولة أخرى مع الأب لإقناعه، لأن رفضه لا يعني بأي حال إنهاء قصة الحب.

زواج على الطريقة الحديثة

في تلك الأثناء، رشَّح المخرج حسن الصيفي كلاً من فؤاد المهندس وشويكار الثنائي الصاعد بقوة لبطولة الفيلم السينمائي الجديد {هارب من الزواج}، والذي جسد فيه المهندس شخصية زكي الابن الذي يحاول والده تزويجه من فتاة طمعاً في أموال والدها، بينما يرتبط بقصة حب مع فتاة جسدت دورها شويكار، ليكتشف في نهاية الفيلم أنها نفس الفتاة التي تريد عائلته تزويجه لها، لتكلل قصة حبهما في نهاية الفيلم بالزواج.

وفي مشهد النهاية بالفيلم كانت هناك {قبلة} تجمع بين بطلي الفيلم، وهي القبلة، وكان ذلك صباح 28 نوفمبر 1963، بعدها قرر العروسان التوجه إلى المأذون لعقد القران، خصوصاً أن شويكار استنفدت كل محاولات إقناع والدها بالموافقة على من اختاره قلبها، لكن من دون جدوى، طرقت كل الأبواب لإقناعه بلا فائدة، لذا استجابا لنداء القلب، لا سيما أن مشهد النهاية كانت ترتدي فيه شويكار الفستان الأبيض، كذلك فؤاد كان عريساً في قمة أناقته، فجاء قرارهما وليد الصدفة.

طلب المهندس من المخرج حسن الصيفي وشقيقه محمود أن يشهدا على عقد قرانهما، وكانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة فجراً، وتوجهوا معاً إلى منزل المأذون، والذي كان يرتبط بعلاقة صداقة مع المخرج حسن الصيفي. وفعلاً، أيقظوه من نومه، وتم عقد قرانهما من دون حضور أي شخص من عائلتهما.

خرج العروسان من مكتب المأذون تملأ السعادة قلبيهما. توجها إلى فندق المينا هاوس في منطقة الهرم، والتي كانت بعيدة عن قلب العاصمة في تلك الفترة، وقررا قضاء عدة أيام في عزلة عن العالم الخارجي، ساعد على ذلك أن ابنة شويكار كانت برفقة أختها، نظراً إلى انشغالها بالتصوير طول اليوم في الفيلم.

وبمجرد وصولهما إلى الفندق، اتصلت شويكار بوالدها حتى لا يشعر بالقلق عليها، خصوصاً مع تأخرها في عودتها إلى المنزل:

شويكار: أيوه يا بابا.

الأب منزعجاً: أنت فين يا شويكار، وإيه اللي أخرك قوي كده؟

شويكار: أنا في المينا هاوس مع فؤاد المهندس يا بابا.

قاطعها والدها بحدة قائلا: بتعملي أيه عندك.

شويكار: إحنا اتجوزنا دلوقت و...

قبل أن تكمل شويكار حديثها كان والدها قد أغلق الخط في وجهها، اعتراضاً منه على زواجها من دون إرادته، ومن الممثل الذي رفضه قبل ذلك الأمر الذي جعلها تبكي وتنهمر الدموع من عينها، فيما فؤاد المهندس حاول تبرير ما حدث بأن {الخط} ربما انقطع فجأة، والمهم أن والدها قد عرف مكانها، ولن يقلق عليها.

غالبت شويكار دموعها بعدما قبلها فؤاد المهندس واصطحبها إلى حديقة الفندق لمشاهدة منظر الأهرامات الساحر وقت الشروق، وجلسا على حمام السباحة حتى وقت الظهيرة، ليقضي الزوجان ثلاثة أيام {عسل} ساعدهما في ذلك عدم وجود أية ارتباطات فنية.

عادت شويكار مع المهندس بعد الأيام الثلاثة إلى شقته، وأجلت خطوة الذهاب إلى منزل والدها بطلب من المهندس الذي فضل تأجيل الخطوة عدة أيام.

مصالحة

كان خبر زواجهما قد ملأ الدنيا، ومع عودتهما إلى المنزل انهالت اتصالات الأصدقاء بالتهاني، وكان عبد المنعم مدبولي أول المهنئين لكونه أكثر الأشخاص معرفة بقصة الحب التي جمعت المهندس وشويكار.

بعد أيام عدة، قرَّر المهندس اصطحاب زوجته إلى والدها في محاولة لإعادة العلاقة بينهم مجددا، وهي الزيارة التي لم تكن موفقة للمرة الثانية، إذ لم يرحب والدها بها بعدما صعدت إليه بمفردها، وانتظرها فؤاد في السيارة منتظراً دعوته، لدخول منزلهم، لكن الدعوة لم تتم بعدما طردها والدها من بيته، وطالبها بالعودة للشخص الذي تزوجته.

حاول فؤاد احتواء زوجته، ولم يغضب من موقف والدها، وتفهم غضبه من ابنته، بينما حاول تهيئة الأجواء بين زوجته الجديدة وأبنائه، من زوجته السابقة، وهو ما تفهمته شويكار وكانت بمثابة الأم الثانية لهم بشهادتهم وليست زوجة الأب في الصورة التقليدية عنها، كذلك الحال بالنسبة لابنتها منة الله التي انتقلت للعيش بمنزل فؤاد ليكون لها بمثابة الأب وحتى آخر لحظة في عمره، ورغم انفصاله عن والدتها، كما حرص فؤاد على أن يكون بينها وبين أبنائه علاقة ودية وكأنها شقيقتهم بالفعل.

من جانبه حرص فؤاد على إعادة المياه لمجاريها بين شويكار ووالدها، فبدأ ومن دون علمها في البحث عن أقرب المقربين له ليكون وسيطا في الصلح بينه وبين ابنته، التي كان جزء كبير من سعادتها مكسورا بسبب عدم رضاء والدها عنها ورفضه زواجها ممن أحبته واختارته شريكا لحياتها.

وبالفعل نجح فؤاد في الوصول لأحد أصدقائه المقربين، وطلب منه التدخل بين شويكار ووالدها، مؤكدا له حزنها الشديد على مقاطعته لها، وأنها لا تستطيع الحياة وبينهما هذه القطيعة، كما طلب منه فؤاد أن يرتب موعدا بينه وبين فؤاد لإزالة كل الخلافات وللتعرف عليه، وبالفعل بذل الصديق كل الجهد لإتمام المصالحة، أما الأب فقد قدر لفؤاد حرصه على لم الشمل والمهم ألا يكون سبباً في خلاف بين زوجته ووالدها.

وفي صباح أحد الأيام، طلب منها التوجه مرة أخرى إلى منزل والدها في محاولة جديدة لإزالة الخلافات بينهما، مؤكداً لها أنه أب في النهاية، ولن يظل متمسكا بمقاطعتها للأبد، وأن عليها أن تبذل جهدا من جانبها يساعده على تجاوز هذه المحنة، وبالطبع أخفى عنها فؤاد محاولاته التي بذلها بعيدا عنها، وهو ما عرفته لاحقا وبعد سنوات من والدها، مؤكدا لها أن «كرم أخلاقه» وحرصه على علاقتها بأسرتها هو ما جعله يعيد التفكير في الموافقة لما يتمتع به من أخلاق وصفات حميدة.

وبالفعل صعدت شويكار لمنزل والدها تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى، إلا أنها فوجئت بتغير في معاملته وموافقته على الزيجة ومباركتها أيضا، بل وافق على دعوتها له بزيارتها في منزلها الجديد في حفل يقام على شرفه وليبارك زيجتها، وهو ما وافق عليه الأب، كانت شويكار حريصة على استقبال والدها في منزل الزوجية لتعويض حالة الفراق التي لم تدم سوى عدة أسابيع.

الطريف أن علاقة فؤاد بوالدها ظلت أكثر من رائعة وحتى آخر يوم في حياته، كذلك كل عائلتها الذين جمعهم الود والمحبة بفؤاد وبشهادة شويكار نفسها، والتي أكدت في أكثر من حوار «أنهم كانوا بيحبوه أكثر مني وبينصروه عليَّ في أي خلاف بينا».

(يتبع)

back to top