يفزع العالم بأسره، العالم المتحضر، المدجج بمختلف الأسلحة النووية والأسلحة التقليدية القادرة على إنهاء البشرية. يفزع حين يتجرأ أحدٌ ما على مسِّ هيبته، والتعدي على أرضه وشعبه. وبقدر ما يكون الاعتداء وحشياً بقدر ما يزيد الفزع، وتكون النتائج كارثية. ووحدها النتائح الكارثية تنتظر أبناء الشعوب العربية تحديداً. وكل من ساء حظه الأسود أن تكون ملامحه الجسدية مشابهة لملامح أبناء الشعوب العربية الشرق أوسطية. ليس من إنسان يحمل ذرة إنسانية إلا ويُدين ما حدث لعاصمة النور باريس ليلة الجمعة 13 نوفمبر. يدين سقوط الضحايا الأبرياء، ويدين الوحشية التي تعامل بها أناس يتخذون من الإسلام اسماً وعنواناً للدفاع عن قضايا يؤمنون بها.

Ad

العالم من أقصاه إلى أقصاه دان ويدين ما حصل على الأرض الفرنسية، أرض الحرية والديمقراطية والفكر والإبداع والفن والأدب والفلسفة. باريس قبلة العالم بمتاحفها ومكتباتها وقصورها التاريخية، وحتى أسواقها ودور أزيائها التي تفرض على العالم ما يلبس وما يتذوق ويتعطر.

إن وقوفاً متفحصاً لما حدث يوضح أن كل الاعتداءات حصلت لبشر يمارسون حياتهم العادية البسيطة، وهم يشتركون في كونهم كانوا في لحظات متعة، أياً كانت هذه المتعة؛ مباراة كرة قدم، أو عرض موسيقي مسرحي، أو لحظات هناء في مطعم أو مقهى. وهنا يبرز السؤال لماذا اختار المتوحشون، الدواعش، مهاجمة الحياة في أهدأ لحظاتها؟ ولماذا خططوا لقتل بشر لا يربطهم بهم رابط سوى أنهم يمارسون لحظتهم باسترخاء ومتعة؟

أفهم تماماً قتالاً بين شخصين يحاول أحدهم قتل الآخر. وأفهم حرباً طاحنة بين فئة وفئة وجيش وجيش، لكن ما لا أقدر على فهمه، هو أن تخطط جماعة لقتل أناس أبرياء لا تعرفهم. ما لا أقدر على استيعابه أن يُجنّد إنسانٌ نفسه لتدبير هجوم يودي بحياته ويقتل بشر لتسليط الضوء على قضية يؤمن بها، أو انتقاماً لموقف حكومة أو وزير. ما يصعب على الفهم أن يلفّ شخص نفسه بحزام ناسف دون أن يدور بخلده أن موته سيأخذ في طريقه حياة بشر لا ذنب لهم! كيف بالفكرة أن تعمي الفكر؟ كيف بالوحشية أن تخنق الإنسانية؟

الأمر كان سيكون مختلفاً بدلالته ونتائجه لو أن الإرهابيين قاموا بمهاجمة أماكن تجمع الجيش أو وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية. لكن أن يعقد شخص النية على قتل بشر أبرياء بحجة محاربة نظام، فهذا ما لا يقره دين أو مذهب، ثم إذا كان هؤلاء يرددون كلمة الله أكبر لتأكيد انتمائهم إلى ملة الإسلام، فأين هم من الآية (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، والسؤال الذي يجب الوقوف أمامه: ما الذي أوصل هؤلاء وغيرهم كثير إلى ما وصلوا إليه؟ والسؤال الأكثر أهمية:

كيف السبيل إلى نزع فتيل هذا الفكر المتوحش؟

قد يقول قائل إن الدول الغربية تعين إسرائيل المغتصبة لأرض فلسطين، فينبعث السؤال: إذا كان هؤلاء يقدمون على عملياتهم الإرهابية الإجرامية حباً لفلسطين وللقدس الشريف، فلماذا يختارون أرضاً وبشراً بعيداً عن فلسطين والقدس؟

لبست باريس مدينة النور لباس حدادها الأسود، ومع حزنها تضامنت شعوب العالم، ووحدنا -نحن العرب والمسلمين- الخاسر الوحيد لما جرى. سيكون الإنسان العربي، وربما المسلم مستقصداً بالكره وربما بالرجم حتى القتل لا لشيء إلا لأن هناك من يريد له أن يدفع ضريبة "لا ناقة له فيها ولا جمل". ما يجري في كل مكان من أفعال إرهابية وحشية باسم الدين الإسلامي إنما يجر الويل على الإسلام والمسلمين، وهي منذ قرابة العقد من الزمن، تسقي كره البشرية لنا، وتضع حواجز بيننا وبينهم، وكم هي صعبة ومخيفة الحياة دون وصل الآخر والتواصل معه.