الناخبون الإسبان يطيحون الفاشلين
انتهت أمسية الانتخابات في إسبانيا في 20 ديسمبر بنتائج فوضوية مقلقة، فلا يستطيع رئيس الوزراء الحالي ماريانو راخوي، بعد أن خسر حزب الشعب المحافظ الذي يرأسه 43 مقعداً من مقاعده الـ186، ولا اشتراكيو بيدرو سانشيز تأليف حكومة من دون مساعدة المتمردين الجدد في حزب بوديموس المناهض للتقشف أو الحزب الليبرالي الجديد «المواطنون»، حتى هذا قد لا يكون كافياً، فقد تحتاج الحكومة الجديدة إلى نحو خمسة أحزاب.لا شك أن هذا سيستغرق وقتاً طويلاً، وسيحاول راخوي أولاً، إلا أنه سيفشل على الأرجح عندما يطرح ترشحه للتصويت في البرلمان، حيث اكتسب حزبه الكثير من الأعداء خلال سنواته الأربع التي كان يتمتع فيها بالغالبية المطلقة، وبعد ذلك أمام سانشيز شهران ليشكل حكومة، وإن أخفق هو أيضاً فلا بد من إجراء انتخابات جديدة، ولكن بما أن موازنة عام 2016 أصبحت جاهزة، فلا يبدو الوضع بالسوء الذي نظنه، إلا أن هذا التصويت للتغيير قد يؤدي إلى أشهر من الركود.
أكدت نتائج يوم الأحد انهيار نظام الحزبين في إسبانيا، فلم يحصد حزب الشعب والاشتراكيين إلا 50% من الأصوات مجتمعَين، بعد أن فازا بنحو 73% قبل أربع سنوات، لكن الحزبين الناشئين لم يصبحا بعد قويين بدرجة كافية ليحلا محلهما، مع أنه لا يمكن تجاهلهما أيضاً، فما عاد بوديموس مجرد مجموعة احتجاج هامشية، بل تحول إلى حزب رئيس أوشك أن يطيح بالاشتراكيين كقادة اليسار، أما حزب ألبرت ريفيرا (المواطنون)، فقد أظهر أن عدم الرضا حيال الوضع الحالي ينتشر في الأطياف السياسية كافة. إذا أرادت إسبانيا حكومة مستقرة، يكون الاتفاق بين اثنين أو ثلاثة من هذه الأحزاب الخيار الحقيقي الوحيد، وإلا ستحتاج الحكومة الجديدة إلى دعم انفصاليي كاتالونيا الذين يزدادون عدائية وميلاً إلى الثورة، والذين حصدوا، في ضربة إضافية للوضع القائم، عدداً مهماً من الأصوات، نتيجة لذلك، تُعتبر صفقة «ائتلاف كبير» بين حزب الشعب والاشتراكيين الأكثر استقراراً، إلا أنها ستشكل انتحاراً للفريق الثاني، أما الائتلاف الأوسع الذي يشمل الاشتراكيين، وبوديموس، و»المواطنون»، فسيسمح للوافدين الجدد بالتخلص من المحسوبية والفساد، اللذين انتشرا في المؤسسة السياسية، إلا أن هذين الحزبين الناشئين لا يملكان قواسم مشتركة في مسألتَي الاقتصاد وكاتالونيا، في المقابل من المتوقع أن يطعن بوديموس سانشيز في الظهر، إن أتيحت أمامه فرصة التغلب على الاشتراكيين وتحويلهم إلى حزب غير ملائم، على غرار الحركة الاشتراكية اليونانية.يُطرح عدد من الأسئلة الكبيرة للنقاش اليوم، فيريد زعيم بوديموس، بابلو إغليسياس، إصلاحاً دستورياً يرسخ الحقوق الاشتراكية ويمنح كاتالونيا وضعاً خاصاً جديداً بهدف كبح الحركة الانفصالية فيها، كذلك يطالب هو وريفيرا بإصلاح انتخابي بغية تبني التمثيل النسبي الحقيقي، علماً أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام الأحزاب المتطرفة من اليمين واليسار. في المقابل يرغب انفصاليو كاتالونيا في إجراء استفتاء، لكن الإصلاح الدستوري لن يكون ممكناً من دون حزب الشعب برئاسة راخوي، الذي ما زال يحظى بأكثر من ثلث المقاعد في البرلمان، علماً أن هذه الكتلة كافية لأي تغييرات، غير أن المطالب الكبيرة بإصلاح واسع تغفل في الواقع عن المسألة الأهم، فالإسبان هم بأمس الحاجة اليوم إلى الوظائف، كذلك يحتاجون إلى صفقات طويلة الأمد بين الأحزاب في مسائل التقاعد، والتعليم، وما شابه.خلال السنوات الست الماضية، انصاع الإسبان للقواعد الأوروبية بشأن التقشف والحد من قيمة العملة داخلياً، وقد أتاح هذا للاقتصاد تخطي عقبات كبيرة، لكنهم دفعوا ثمناً كبيراً في مجال البطالة (التي تصل اليوم إلى 21%)، وعدم الاستقرار الكبير في سوق العمل، وتحطم الفخر الوطني، وبما أن ناتجها الاقتصادي ما زال أدنى من معدلات عام 2007، تتراجع إسبانيا في التصنيف العالمي للناتج المحلي الإجمالي.لا شك أن الرواقية الإسبانية مذهلة، ففي حين كان المواطن الإسباني العادي يعاني اعتنت الأحزاب الرئيسة بأنصارها من خلال الفساد، فانتقم منها الناخبون يوم الأحد، وعليها اليوم أن تتحمل النتائج.