«سنعي»... لا شيعي ولا سنّي
هذا العنوان لا يعني الدعوة إلى مذهب ثالث أو تمترس جديد وراء بدع وتفسيرات تزيد من الفرقة بين المسلمين، فيكفيهم ما لديهم من اجتهادات واختلافات أثرت على تطورهم ورقيهم، وتقهقر نظرتهم للدين وتشويه قيمه، وإن هذا العنوان يعني فكرة يمكن تطويعها والالتزام بها لمزيد من الاعتصام بحبل الله، ومزيد من التعاون على البر والتقوى بين الشعوب والقبائل التي خلقها الله، وهو شي رائع... العنوان أيضا يبدو لطيفا لأن "سنعي" من "السنع" أي الصواب لمن لا يعرف اللهجة الكويتية، والسنع زين أينما حل. كتب علي البداح في "الجريدة" يدعو المصلين من سنّة وشيعة للصلاة في مسجد واحد، وكنت ممن انتشى بتخيل هذا المنظر المفرح بمسجد واحد، فكتبت متمنيا دراسة الفكرة ودعوت أصحاب الاختصاص من مؤسسات ورجال دين لتلقف الفكرة لدراستها ووضع الضوابط، كما تفعل المجتمعات الحية بتلقف الأفكار المفيدة وتشريحها بحثا ودراسة، ووضع البدائل واختيار الحلول ووضع تصورات التنفيذ وعدم الاكتفاء بالتحلطم والتشره بالدواوين، وكالعادة الكويتية لم تتفاعل أي جهة حتى بإثراء التوعية المجتمعية بأي رد مكتوب.
الردود التي تلقيتها على المستوى الشخصي في غالبها مؤيدة ومتحمسة، وأجمل ما فيها تلك القناعة الناتجة عن واقع الحال داخل الكويت وخارجها، وآخرها ما وقع بمسجد الإمام الصادق من مأساة وما تبعها من فزعة مشتركة، في حين كانت الردود القليلة المعارضة مبنية على الشكوك والدخول في النوايا، وهي معطيات مدمرة دائما، لا تعمر بيتا ولا دولة ولا دينا، وتفرق وتهدم حتى على مستوى الصحبة والصداقة والأهل.فما زبدة الموضوع الآن؟ هي أن يتبنى "سنعي" أو أي تسمية أخرى طريقة أو مذهباً أو أي تسمية أيضاً ليدمج بين مذهبين يبدآن وينتهيان بالإسلام والقرآن والسنّة بعد إزالة شوائب أدخلت نتيجة أفكار ونيات وتصورات بشر، والبشر خطاؤون.إن عوامل نجاح هذه الفكرة إن طبقت تحت ضوابط مدروسة ستكون مدعومة بعاملين هامين:1- أنها معتمدة على الثقة الكاملة بالله سبحانه، وليس بالثقة الناقصة؛ لأن من يثق بالله ثقة كاملة يعرف أنه قادر- جلت قدرته- على معاقبة من أخطأ من مئات السنين، وقادر على تحديد من أجرم ومن قتل ومن شتم، فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، له الجنة وله النار يدخل في كل منهما من يستحق بالعدل الرباني؛ لذلك فإن الثقة بالله تساهم في إنجاح فكرة "سنعي".2- إن تعاليم الإسلام تدعو بما لا يدع مجالاً للشك إلى التآلف دون الفرقة، والالتزام بالأخلاق الحميدة وعف اللسان وعدم التنابز بالألقاب وعدم الشتم، وهي تصرفات يحظرها القانون والخلق السليم وغير مقبولة على مستوى الشارع وعلى مستوى تربية الأبناء، ومن يبتعد وينبذ هذه التصرفات المشينة فسيساهم أيضا في إنجاح فكرة "سنعي".فإذا اتفق الأكثرية على "سنعي" ووجدت التشجيع من علماء الدين فلمَ لا تطبق؟ والرسول الكريم يقول إننا أعلم بأمور دنيانا، بالأمور الحميدة بالطبع التي تعزز الإسلام والمسلمين، وما أفضل من جمعهم برباط أقوى، فلماذا لا تكون للمسلمين قدرة الاستفادة من الرخص والله يحب أن تؤتى رخصه؟ وأين شجاعة الإبداع والتطبيق السليم للإسلام ضمن تعاليمه وروحه السمحة؟ إن مجرد اجتماع علماء المسلمين من سنّة وشيعة وأخذ مبادرة التلاحم والتلاقي والتدارس يعزز الدين ويؤلف بين قلوب أتباعه، وهو مكسب بحد ذاته، وقد تتبعه مكاسب أخرى، ويكون "السنع" أخذ مجراه، والله المستعان.