«ستيف جوبز»... ذكي وحيوي ومؤثر
موضوع مؤثر وسرعة في الحركة وحوار مميز وتوجه مركز يحافظ على وتيرة لا تكل، وتمثيل لا يمكن أن يكون أكثر براعة... إنه «ستيف جوبز». كتب هذا الفيلم آرون سوركين وأخرجه داني بويل، وهو من بطولة مايكل فاسبندر وكايت وينسلت.
يُعتبر {ستيف جوبز} فيلم ترفيه ذكياً يحفل بكثير من الطاقة المبدعة. والأهم من ذلك كله أنه أكثر من مجرد موضوع عادي.كذلك يؤكد كل مَن شاهد فيلم ألكس غيبني الوثائقيSteve Jobs:The Man in the Machine، أن هذا الفيلم الدرامي لا يُعتبر أكثر دقة في تصوير حياة رجل الأعمال الرقمي المشهور هذا، من سرد مسرحية {ماكبيث} لشكسبير قصة حقيقية عن حاكم اسكتلندي في القرن الحادي عشر.
على العكس، يقر معدو هذا الفيلم أنه مستوحى من قصة حياته، وأنه عملية إعادة بناء انطباعية تستغل بطريقة مسرحية غنية ركائز حياة جوبز لتقنعنا على الأقل بواقعها العاطفي.نقطة محوريةلا شك في أن كلمة {مسرحية} ملائمة في هذا الإطار لأن سوركين لم يكتفِ بكتابة حوار جريء قوي، بل تجرأ أيضاً على إعادة بناء حياة ستيف جوبز وحولها إلى مسرحية من ثلاثة فصول تركز كل منها على أربعين دقيقة قبل إطلاق ثلاثة من أهم منتجات جوبز: {ماكنتوش} عام 1984، NEXTcube عام 1988، وiMac عام 1998.في كل حالة، يبحث نحو خمسة أشخاص مهمين في حياة جوبز عنه ليوجهوا انتقادات إلى قوته المبدعة، التي تشكل، لأسباب مختلفة، نقطة محورية بالنسبة إليهم جميعاً. فقد قال جوبز نفسه بعدما تملكه الاستياء: {قبل خمس دقائق من عملية إطلاق كل منتج، يثمل الناس ويبدأون بإخباري ما هي أخطائي}.يقدّم سوركين حواراً ممتازاً (كتب The West Wing وفاز بجائزة أوسكار عن The Social Network). لكن تقديمه على الشاشة بطريقة قوية مؤثرة شكل تحدياً، ومن المؤكد أن بويل يُعتبر الشخص الأفضل للاضطلاع بهذا التحدي.نجح هذا المخرج الدائم الحركة في إعداد فيلم من نوع 127 Hours، قصة رجل يُحتجز في كهف ويعجز عن الحركة طوال الوقت. نتيجة لذلك، يُعتبر بويل خبيراً في إعداد أفلام مشوقة من قصص قليلة الحركة.كلام وحركة تخيل بويل والمصور السينمائي ألوين كوشلر {ستيف جوبز} كفيلم يحتوي الكثير من الكلام والحركة، حتى إنهما صورا كل فصل بصيغة بصرية مختلفة: فقد أعادا إطلاق {ماكنتوش} عام 1984 على فيلم بقياس 16 مليمتراً، وصُورت أحداث NEXT عام 1988 على فيلم بقياس 35 مليمتراً، أما إطلاق iMac عام 1998 فعُرض باستخدام نظام ALEXA الرقمي.يبدأ {ستيف جوبز} مع لحظة مميزة لا تنتمي إلى أي من هذه المراحل الزمنية الثلاث. نشاهد مقابلة محطة Australian Broadcasting Corp عام 1974 مع أرثر كلارك الذي يتوقع فيها بذكاء أننا سنبلغ زمناً نرى فيه كمبيوتراً صغيراً في كل منزل يربطه بالعالم، علماً أن جوبز عمل بكد، على غرار كثيرين، لتحقيق هذه الرؤية.صحيح أن الفيلم الذي يشارك فيه يعتمد على العمل الجماعي، إلا أن من الصعب تخيل «ستيف جوبز» من دون فاسبندر الساحر، الذي يعتبر أدواراً مماثلة بالغة السهولة، في دور البطولة.يُستهل هذا الفيلم صباح إطلاق ماكنتوش عام 1984. نرى جوبز مستاء من عضو فريق التطوير الرئيس آندي هرتزفلد (ستولبارغ) لأن الآلة لا تقول «مرحباً» بطريقة صحيحة ويريد جوبز إصلاح ذلك في الحال.يقول هرتزفلد محتجاً: «لسنا فريق عمل في سباق في دايتونا». يجيبه جوبز بسخط: «كان أمامك ثلاثة أسابيع، خُلق الكون في ثلث هذا الوقت». فيرد هرتزفلد في إحدى المرات النادرة التي يكون له فيها الكلمة الأخيرة: «لا بد من أن تُخبرنا ذات يوم كيف قمت بذلك».يدور هذا الجدال أمام جوانا هوفمان (وينسلت)، المسؤولة عن تسويق «ماكنتوش» ونوع من مرشدة لجوبز. فهي الشخص الوحيد الذي يستطيع التحدث دوماً بصراحة مع جوبز. تسأله: «ألا تريد التصرف بعقلانية لترى ما يكون شعورك حينذاك؟». وتضيف: «إذا استمررت في معاداة الناس من دون سبب، فلن يبقى أحد ليقول لك مرحباً».تميّز وإتقانتقول وينسلت إن هوفمان في الفيلم تشكل خليطاً من نساء عدة لعبن دوراً أساسياً في «آبل». لكن الممثلة تؤدي هذا الدور بدقة مشوقة، فيما تتواجه هي وفاسبندر على غرار مغني الأوبرا، ويقدمان أعمالاً ثنائية أسطورية.يستخدم ستيف جوبز، الرجل والفيلم، هوفمان كحارسة والصوت الأساسي الذي يقرر مَن يقابل الرجل العظيم. ويشمل أولئك الذين يُسمح لهم بالدخول ستيف وزنياك (روجن)، أحد مؤسسي آبل الذي كان رجل الشركة الأساس والذي يتحكم فيه جوبز ويحميه. يعتقد وزنياك أن {الإنسان يستطيع أن يكون لبقاً وموهوباً في آن}. إلا أنه يكتشف، وهذه ليست المرة الأولى، أن دفع جوبز للقيام بما لا يريده لا يجدي نفعاً.قد لا نميز ذلك في البداية، إلا أن نقطة ضعف جوبز تظل في تعامله مع كريسان برينان (واترستون)، صديقته القديمة السابقة ووالدة ليزا، الابنة التي ما انفك جوبز ينكر أنها منه.فيما يتتبع هذا الفيلم جوبز طوال هذه السنوات الأربع عشرة، تتحول علاقته بعالم الكمبيوتر وبهذه الشخصيات الأساسية وتتبدل بطرق مؤثرة، وخصوصاً لدى التعامل مع ليزا، التي تؤدي دورها فيما تكبر ثلاث ممثلات (ماكنزي موس، ريبلي سوبو، وبيرلا هاني-جاردين).يتضح أن جوبز أكثر ضعفاً في المجال العائلي، مع أن الضعف يظل نسبياً عندما يتعلق بجوبز. في ظل كل هذه المواقف الصلبة والجريئة، ظل جوبز إنساناً في النهاية. وهذا أمر لا يدعنا هذا الفيلم المميز والمتقن ننساه مطلقاً.