عادة يبدأ الكتّاب مقالاتهم متحاذقين على القراء، فيزعمون أنهم يحللون ما جاء في السنوات العشر الأخيرة في السياسة الكويتية من خلال إسقاط اتهامات جزئية على وضع كلي، ومع الأسف ينجحون في استقطاب القراء والمطبلين! فالتاريخ أصبح مهنة من لا مهنة له في السياسة، فالبرامج التلفزيونية والصحف وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي صارت مليئة بالاستشهادات التاريخية التي تقتطع الصورة بشكل صارخ لتثبت وجهة نظر الكاتب أو المتحدث دون النظر في الصورة الأكبر من الحدث التاريخي.

Ad

في عام ٢٠١١، وفي خضم الربيع الكويتي كان نواب المعارضة البدو يستشهدون بمواقفهم في حماية الأسرة الحاكمة تاريخيا، ومن المضحك أن المعارضين الحضر كانوا يصفقون وكأن استشهاد زملائهم في محله، وبعدها صار الاتهام للشيعة بالخيانة واستذكار سنوات عديدة مثل ١٩٢١ و١٩٣٨ وفترة الثمانينيات. هل انتهى الأمر هنا؟ للأسف لم ينتهِ، إذ خرج علينا من يهاجم التجار ويصفهم بالخونة مستندا إلى أحداث ١٩٣٨، ثم يخرج علينا أناس من أسرة الحكم فينالون من التجار ويصفونهم بأبشع الألفاظ، ويصفون البدو بالفداوية والشيعة بالخدم! وما لم أستطع فهمه هو: إذا كان لكل طرف خيانات كبرى أو فضائل عظمى في هذا المجتمع، فلماذا نعيش في إطار الدولة؟!

لو تأملتم حولكم أسماء سراق المال العام أو الذين خرجوا إلى عالم المال والأعمال من العدم، أو أولئك الذين انتشرت أسماؤهم في وسائل التواصل الاجتماعي لتلقيهم رشا فستجدون أن التسريبات مسّت جميع شرائح المجتمع بلا استثناء ابتداء من أبناء الأسرة الحاكمة مرورا بالطبقة التجارية، ثم الحضر فالبدو والشيعة والسنّة وربما المسيحيين! إذاً أين الخلل؟! ومن المسؤول عن هذا التخبط وعدم وضوح الرؤية؟

نحن، المواطنين، أهم أسباب هذا الخلل، فنحن لا نملك الثقافة العالية التي تمكننا من الرد على من يقتطع جزءا من التاريخ لينسب إلى نفسه أو أهله ما لا يستحقون، ونحن أيضا لا نتجرأ على النقد ولو بكلمة واحدة لأننا نخشى عواقب التخلي عن المجاملات، ونحسب مصالحنا الشخصية الضيقة، ونحن لا ندافع عن مفهوم المواطنة أنا كويتي وفقط. فالخلل في فهمنا لمفهوم المواطنة، والأمور الاجتماعية ليس لها علاقة في أني مواطن كويتي، فالمواطنة بمفهومها اللغوي مشتقة من الوطن وبمفهومها الاصطلاحي الذي يحدده دستور الدولة، هي حقوق الفرد تجاه وطنه وواجباته تجاهه، وهناك العديد من القيم التي تؤسس للمواطن مثل قيمة المساواة التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حق التعليم والعمل، وكذلك قيمة الحرية التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحق الحديث والمناقشة، وحرية التأييد أو الاحتجاج على قضية أو موقف أو سياسة ما، سواء كان يمس الحكومة أو رئيس الدولة أو حتى المجتمع ذاته بشرط الحفاظ على الآداب العامة للنقاش، وكذلك حرية الانتخاب والتصويت وحرية التعبير.

 ثم تأتي قيمة المسؤولية الاجتماعية التي تتضمن العديد من الواجبات مثل واجب دفع الضرائب، وتأدية الخدمة العسكرية للوطن، واحترام القانون، واحترام حرية الآخرين وخصوصيتهم، وهي التي نفتقدها كثيرا في الكويت للأسف. هناك اختلافات بين المثقفين العرب في مختلف توجهاتهم في تعريفات مفهوم المواطنة، لكنهم يتفقون على وجود الحقوق والواجبات على الدولة والفرد، ومن الكتب التي تحدثت عن مفهوم المواطنة: مفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية المعاصرة (عن حالة الجزائر) لـ"منير مباركية"، وهناك مقالات عديدة للمفكر محمد عابد الجابري عن المواطنة، منها على سبيل المثال لا الحصر "الوطنية والقومية والمواطنة"، وما أكثر الكتب التي تحمل عناوين مثل مفهوم المواطنة عند....، هذا شيء بسيط جداً عما كتب باللغة العربية عن مفهوم المواطنة، ويكفيك زيارة لموقع غوغل لتعرف حجم ما كتب عن مفهوم المواطنة.

شوارد:

لا تجعلوا الكويت أرضا للمتعاركين بل اجعلوها أرضا للمواطنين، وانزعوا لباس الجهل والتبعية لكل ما يقوله أنصاف المثقفين الذين يقتاتون على أموالكم من خلال بيع الصحف ونسب المشاهدات في التلفاز، يجب علينا كمواطنين أن لا ننجر وراء تقسيماتهم لنا، ونفتخر بأننا كويتيون أولاً، ثم نفتخر بانتمائنا إلى الطبقة الفلانية أو العلانية لأننا حينها فقط سنفهم أننا نعيش في دولة مدنية لا في عزبة أو مزرعة ندافع عن ذكرياتنا فيها!