«غداً نلتقي»... يستحق جماهيريته الكبيرة
ليس غريباً أن يحظى مسلسل «غدا نلتقي» بجماهيرية نظراً إلى المصداقية في الطرح وبعده عن الفلسفة وقربه من معاناة الإنسان السوري بشكل مباشر.
استطاع المسلسل أن يسلّط الضوء على الواقع الإنساني المرير للنازحين السوريين من خلال نخبة من الممثلين على غرار مكسيم خليل، كاريس بشّار، منى واصف، عبد المنعم عمايري وغيرهم... هؤلاء ترفع القبعة لهم لأدائهم المميز والرائع وحرفيتهم التي تجلّت من خلال أدق تفاصيل الأحداث ما جعل المشاهد يتأثر ويتفاعل معها.النماذج السورية التي هجّرت من بيوتها وتمحورت حولها الأحداث جاءت حقيقية، فهؤلاء تركوا بيوتهم في سورية وأتوا إلى بيروت في محاولة لإيجاد سبيل لحياة كريمة، فوجدوا أنفسهم في ضغط نفسي ومعنوي ومادي نتيجة النزوح وظروف بيروت الصعبة لتنطلق من هنا قصص مختلفة ملؤها القسوة والفوضى والتشرذم. ومن يراقب الواقع يجد أن مشاهد كثيرة نعيشها يومياً هي صورة مصغرة عن الشخصيات التي قدمت في المسلسل.
مصداقية وواقعيةيقول مكسيم خليل إنه توقع النجاح للمسلسل قبل عرضه في شهر رمضان، نظراً إلى قوة النص الذي يعتبر أحد أهم العوامل في نجاح العمل الفني {فما بالك عندما يكون ضمن تعاون مشترك بين الكاتب والمخرج حتى على صعيد صناعة اللقطة.يضيف: {وجود مخرج على غرار رامي حنا يحمل أكثر من بعد وبخاصة في رؤيته للمشهدية... وهذا حتما سيساهم في إنتاج مسلسل كهذا ونجاحه}.لا شك في أن الكاتب إياد أبو الشامات لم يعمد إلى تقديم آلام النازحين السوررين بحكاية من نسج خياله او بطريقة مبالع فيها، بل حاول ترجمة أدق تفاصيل وجوه الأزمة السوريّة قسوةً وإيلاماً، من دون الوقوع في فخّ المبالغة في العواطف أو التنظير، وجاء بنص حقيقي يتأرجح بين التشرد والتهجير والبحث عن الذات، بمصداقية عالية ونجح في إصابة الهدف المرجوّ.اما المخرج رامي حنا فلم يعتمد تقنية التصوير نفسها التي اعتمدها في اعماله السابقة او تلك التي اعتمدت في مسلسلات اخرى منافسة، بل استخدم تقنيات سينمائيّة قامت على صورة رمادية ذات إضاءة خافتة في المشاهد الداخليّة والخارجيّة، ما ساهم في ترجمة «حالة العتمة» التي تغمر حياة اللاجئين السوريين في بيروت، كذلك أفرد مساحة واسعة للأداء الصامت من خلال أعمال يومية يمارسها أبطال العمل من شغل في المنزل أو مشي في الشوارع، إذ كان الأداء الجسدي هو المهم.أما الموسيقى فخدمت المسلسل وكانت متنوعة وبوتيرة متفاوتة حسب المشهد ما أضفى أجواء مؤثرة. منافسة على الصدارةلا ينكر مكسيم خليل أن المنافسة كانت قائمة بين «غدا نلتقي» ومسلسلات اخرى عرضت على شاشة رمضان، متمنيا أن يحوز مسلسله الصدارة في نهاية العرض وفي أكثر من استفتاء، وأن يحصل على جوائز وهو على ثقة بأن الجمهور تواق لهكذا نوع من الأعمال، لأنه حمل في طياته الشكل الفني والمضمون الإنساني.لم يغفل مكسيم عن الحضور القوي والآثر لمجموعة من النجوم، واعتبر كل ممثل في العمل بطلا من خلال دوره، وقال: «الكل أبطال... كل من موقعه ودوره... مهما كان الدور، كبيراً أو صغيرا، فمن يؤديه هو بطل بالمطلق».جدلأثار بعض المشاهد في المسلسل بلبلة، فلم يرق للبعض جواب النازحة السورية بـ لا على سؤال طرح عليها إذا كانت تحب فيروز، كذلك لم يمر مشهد سائق الباص الذي يوبّخ طفلاً بالقول: {يخرب بيتك، نحن بنص الأشرفية، هلق بفكرونا فلسطينيي} على خير، وفي مشهد آخر، يقول أحد المواطنين اللبنانيين لسائق الباص السوري، {سوري كمان؟} فيجيب الثاني: {إيه نعم سوري، شو بدنا نساوي، هيك الله خلقنا».أدى ذلك إلى مجموعة من الاحتجاجات ووصف المسلسل في تقرير خاص على إحدى المحطات اللبنانية بالعنصري. في المقابل أكد الكاتب أبو الشامات أن الشعب اللبناني بغالبيته يقف مع السوريين في محنتهم، وأنه اتضح لاحقاً من مجريات العمل أن السخرية كانت من المرارة، وليس التجريح والإهانة وقال:{هي لغة العمل، ونحن بذلك نسخر من أنفسنا قبل أن نسخر من الآخرين، ونعتبر هذه السخرية وسيلة لغسل قلوبنا وحجب الكراهية عنها}، وختم أبو الشامات كلامه بالتحية إلى لبنان والشعب اللبناني، وإلى أيقونة سورية قبل لبنان، السيدة فيروز، قائلا: «يكفي أن يستيقظ صنّاع التقرير في صباح دمشقي، ليدركوا أن فيروز قاسمتنا ذاكرتنا منذ كنا أطفالاً».