رغم تسريب أوساط حملة المرشح الجمهوري المفترض دونالد ترامب أنه سيعلن غداً اسم نائبه في معركة الرئاسة الأميركية، يبدو مشهد المؤتمر العام للحزب الجمهوري، الذي سينعقد الاثنين المقبل، مشوشاً، في ظل تكهنات بحصول إشكالات غير متوقعة قد تلقي بظلالها على سير أعماله.

وتقول أوساط سياسية متابعة إن نجاح قيادة الحزب في إعلان برنامج المؤتمر قبل أيام من انعقاده، متضمناً في متنه اقتراح ترامب بناء الحائط على الحدود مع المكسيك، من شأنه أن يشعل موجة كبيرة من الانتقادات التي قد لا تستثني المؤتمرين أنفسهم.

Ad

وتضيف تلك الأوساط أن تبني هذا الاقتراح يعكس طبيعة التحولات التي طرأت على بنية هذا الحزب في السنوات الأخيرة، خصوصاً استسلامه للموجة التي أطلقها ترامب في الحياة السياسية الأميركية، ويعكس أيضاً طبيعة الاستقطاب الذي يزداد حدة بين الأميركيين، وانقسامهم على أسس عرقية ودينية وأيديولوجية لم يسبق لها مثيل، بعدما كشفت دراسة انتخابية متخصصة في رصد اتجاهات الناخبين وميولهم أن 89 في المئة من ناخبي الحزب الجمهوري من البيض.

وترى أن التخبط الذي يعيشه الحزب الجمهوري يعكس في جانب أساسي منه أيضاً تخبط حملة ترامب الانتخابية، وعجزه حتى الساعة عن قيادة ائتلاف جمهوري، لخوض معركة توحيد كل من الحزب وناخبيه على السواء.

ولعل من نتائج هذا التخبط ما كشفه آخر استطلاع نشرت نتائجه أمس الأول، إذ أظهر أن 45 في المئة من اتجاهات التصويت تعطي تقدماً لكلينتون مقابل 34 في المئة لترامب.

ومع اندلاع أحداث العنف الأخيرة في إثر مقتل رجلين من السود على أيدي رجال شرطة من البيض، وما تبعه من أحداث عنف أدت إلى مقتل خمسة من رجال الشرطة البيض في مدينة دالاس وموجة التظاهرات التي شهدتها مدن أميركية عدة، تتجه الأنظار إلى ما قد يحدث خلال مؤتمر الحزب أو بعده من تطورات سياسية قد لا تكون سلمية بتاتاً.

وتقول تلك الأوساط إن ما كان يعتقد أنه إنجاز حققه ترامب مبكراً عبر تنحيته منافسيه، واحتكاره مسرح الحملات الانتخابية، تحول إلى مأزق حقيقي في ظل عجزه عن الحصول على دعم "الدياسبورا" الجمهورية ورموزها.

وتشكك في أرقام حملة تبرعاته التي كشفت وبشكل مفاجئ عن 51 مليون دولار جمعتها خلال يونيو الماضي، في الوقت الذي يعبر فيه كبار الممولين الجمهوريين علناً عن اعتراضهم على ترامب، وإحجامهم عن تقديم الأموال لحملته.

ويلقي الكثير من الجمهوريين باللائمة على ترامب ونهجه، معبرين عن خيبة أملهم وتشكيكهم في قدرته على التحول إلى مرشح رئاسي حقيقي.

آخرون قالوا إن ظهور الرئيس السابق جورج بوش وزوجته في حفل تأبين رجال الشرطة الخمسة في دالاس جنباً إلى جنب مع الرئيس الأميركي باراك أوباما يحمل رسائل مبطنة تتخطى خلفية المكان، وخلفية رسالة الوحدة التي شددا عليها في خطابيهما.

صحيح أن بوش يعيش في ولاية تكساس، وكان حاكمها قبل انتخابه رئيساً، لكن مضمون كلامه يتعارض مع خطاب الكراهية الذي يثيره ترامب.

وفي لقاء مفتوح أجرته محطة "سي إن إن"، أمس الأول، مع رئيس مجلس النواب بول راين قبل أيام من ترؤسه مؤتمر الحزب الجمهوري، وجهت إحدى المشاركات فيه، وهي من أصول إفريقية ومن ممثلي الحزب الجمهوري، سؤالاً عن جدوى تمسكها بعضوية الحزب، في حين ينفض من حول مرشحه الرئاسي كلُّ من يخالفه الاقتناعات أو العرق أو اللون أو الدين، وهو ما يعكس طبيعة الارتباك الذي تعيشه قواعد هذا الحزب.

في المقابل، نجح الحزب الديمقراطي، الذي يبدو مرتاحاً لنتائج الاستطلاعات التي تعطي مرشحته تقدماً نسبياً، في الظهور أكثر وحدة واستعداداً لتقديم كلينتون على قاعدة برنامج سياسي، لا يعكس فقط طبيعة المعركة التي خاضها مرشحاه في الانتخابات التمهيدية، بل يعكس قدرته على تبني طروحات أكثر تقدماً.

كما أظهر برنامجه أن أبوابه ليست موصدة في وجه القوى الشابة والليبراليين على مختلف مشاربهم، الأمر الذي عبر عنه بشكل واضح كل من بيرني ساندرز وهيلاري كلينتون، عندما وقفا معاً على مسرح إحدى المدارس في ولاية نيوهامبشر، أمس الأول، معلنين تأييدهم تغيير قواعد الانتساب والانتخاب والتصويت، سواء في مؤتمرات الحزب الداخلية، أو في الانتخابات العامة.

ساندرز، الذي يتوقع أن يطلب لاحقاً وقف خدمات جهاز الأمن السري على اعتبار أنه لم يعد مرشحاً رئاسياً، كرر بكل وضوح خطابه وبرنامجه السياسي الذي تحولت أجزاء كبيرة منه إلى برنامج للحزب ولحملة كلينتون على حد سواء.

يقول البعض إن توحيد الحزب الديمقراطي قد لا يكون مبسطاً، لكن الرهان على هزيمة ترامب قد يكون هو الورقة الرابحة للفوز بالرئاسة الأميركية في نوفمبر المقبل على الأقل.