تقرير اقتصادي : تعافي الاقتصاد ليس فقط بإنفاق المليارات على المشاريع

الدواء الناجع بتوجيهه نحو تنويع الإيرادات وخلق فرص عمل... والإنفاق لم ينعكس حتى على أداء البورصة

نشر في 29-10-2015
آخر تحديث 29-10-2015 | 00:04
No Image Caption
ما نحتاج إليه في ظل التراجع الحاد لأسعار النفط هو أن تكون مشاريعنا في اتجاه تمويل الميزانية، ورفع قيمة الإيرادات غير النفطية، وتوفير فرص عمل تقي الدولة الضغط على القطاع العام.
بلغت قيمة المشاريع التي أُرسيت في الكويت خلال العام الجاري 9 مليارات دينار، لتصل قيمة المشاريع الإجمالية المرساة إلى 74.3 مليار دينار بنهاية سبتمبر الماضي (تقرير البنك الوطني في 25/10/2015).

لا شك أن قيمة المشاريع الجديدة التي تمت ترسيتها تعد لافتة جداً، وتمثل أقوى نمو سنوي للإنفاق الاستثماري منذ سنوات طويلة، لكنها لا تزال حتى الآن غير متسقة مع خطط سد مخاطر العجز المتنامي في الميزانية، فلا ضير من الإنفاق على المشاريع في زمن العجز، لأن الإنفاق الاستثماري يجب أن ينعكس إيجاباً على إيرادات الدولة وخطط تنويع مداخيلها، فضلاً عن تخفيف العبء الأكبر المتمثل في أثر سوق العمل السلبي على الإنفاق العام، إذ تستهلك بنود المرتبات وما في حكمها نحو 50 في المئة من إجمالي الميزانية العامة للدولة.

استهداف الحل

لا شك أن بناء مصافي نفط وبتروكيماويات جديدة وتوسعة المطار وإنشاء المدن السكنية والكليات الجامعية والمستشفيات كلها إيجابية من جهة تطوير البنية التحتية للدولة، إلا أنها في المقابل، وفقاً للنظم الحالية الخاصة بطرحها ووفقاً لمناقصات تدفعها الدولة، لا تستهدف إيجاد حلول لمشكلات عاناها الاقتصاد الكويتي ولا يزال، وتتمثل في أمرين يمكن قياس نجاح أو فشل أي إنفاق حكومي من عدمه، الأول هو مدى قدرة المشاريع على تحقيق نمو في العائدات غير النفطية للميزانية، التي تتراوح حالياً بين 7 و8 في المئة من إجمالي الإيرادات، لأن الاعتماد العالي على النفط هو أحد أبرز المخاطر التي تواجه الاقتصاد المحلي، أما الثاني فيتعلق بفرص العمل الحقيقية التي توفرها المشاريع خارج إطار القطاع الحكومي، أي القطاع الخاص الذي يستقطب حالياً أقل من 10 في المئة من قوة العمل الكويتية، التي تتركز أصلاً بين القطاعين العام والنفطي بما يكلِّف الدولة 10.5 مليارات دينار سنوياً.

معظم المشاريع تدور في فلك بناء مشاريع إنشائية لوزارات الدولة أو تنفيذ مشاريع خدمية للمواطنين، كالجسور والمدن والمستشفيات، ولا تعود على الميزانية بعوائد غير نفطية.

المشاريع والبورصة

بالطبع يمكن تلمس بعض المشاريع الجيدة التي تحقق أهدافاً إصلاحية على الجانب الاقتصادي، إلا أن حجمها في الخطة يظل أقل بكثير من حجم المشاريع محدودة الفائدة في الإنشاء والتطوير، خصوصاً أن أهمها وهو مشروع ميناء مبارك وبوبيان يعاني عوائق بيروقراطية تتعلق بإعادة تعديل مرسوم مشروع مدينة الحرير وجزيرة بوبيان، فضلاً عن تعديل جهازها التطويري.

اللافت أن حجم الإنفاق العالي على المشاريع لم ينعكس حتى على أداء البورصة، التي ما زالت تئن من ركود التداول وضعف الرغبة في الشراء، لأن معظم الترسيات صبت في مصلحة شركات عدد مساهميها ضئيل جداً، وبالتالي لا يمكن تلمس فائدة حقيقية من العوائد المالية لأعمال المقاولات إلا في أضيق الحدود.

بات من المكرر المطالبة بتطوير عقلية المشاريع في الكويت لتتحول من طرح المناقصات العامة إلى مشاريع أخرى جديدة بنظام «B.O.T» أو بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP، ليكون للدولة عائد مالي بدلاً من الإنفاق على مشروع تتسلمه لاحقاً، لأن نظام المناقصات التقليدي يتمثل في إعطاء الدولة أموالاً للشركة الفائزة لتنفذ المشروع المعني، ثم تتسلمه الدولة وتشغله لمصلحتها، وهنا تحصل الدولة على عائد اقتصادي ضئيل يتعلق فقط بالبنية التحتية مقابل إنفاقها على المشروع والعمالة والصيانة، أما في نظام الشراكة ppp أو B.O.T  فتكون كلفة التنفيذ من مسؤولية المستثمر، وعندئذ يتحقق للدولة عائد مالي سنوي من خلال الملكية المباشرة أو الحصة من عقد الانتفاع، فضلاً عن تشغيل العمالة الوطنية في هذه المشاريع.

نفط وعجز

ما نحتاج إليه فعلاً، خصوصاً في ظل التراجع الحاد لأسعار النفط وعدم وجود رؤية واضحة للسوق خلال الفترة المقبلة لاسيما على مستوى الأسعار والإنتاج والطلب مع تنامي خطر العجز في الميزانية، أن تكون مشاريعنا في اتجاه تمويل الميزانية، ورفع قيمة الإيرادات غير النفطية، وتوفير فرص عمل تقي الدولة الضغط على القطاع العام، وأن يكون الإنفاق مرتبطاً بتحقيق أهداف اقتصادية موجودة أصلاً في خطط الحكومة السنوية والخمسية.

عندما تطرح المشاريع وفقاً لنظم الشراكة يكون للدولة دور في الرقابة على ما تطرحه من مشاريع بما يكفل جودة الخدمة والمنافسة ويحقق أهداف الاقتصاد، فبإمكانها وقتها أن تقدم للناس نموذج نجاح للخصخصة أو الشراكة مع القطاع الخاص، وتعطي مجالاً بعدها لخصخصة قطاعات أوسع بعد أن تطمئن الأفراد إلى نجاح تجربتها، لذلك لا يمكن القيام بأي خصخصة دون أن تلعب الدولة دور المنظم للسوق الذي يشرف على المنافسة ويمنع الاحتكار، وهنا بالطبع لا بد من الحديث عن الهيئات الناظمة التي تؤسسها الدولة لتنظيم السوق والإشراف عليه.

فرصة حل

تراجع الإيرادات أو الدخول في مخاطر العجز المالي لا ينبغي أن ينعكس سلباً على إنفاق الدولة على المشاريع، بل على آلية هذا الإنفاق وجعله مفيداً لخططها في إصلاح الاقتصاد وهيكلة اختلالاته، وبذلك نجعل من العجز سبباً في حل مشكلات لم تستطع إدارة وسنوات الفوائض المالية تجاوزها.

back to top