لي دفاتر انطباعات وترجمات شخصية عديدة، قبل حلول عصر الحاسوب والإنترنت. في واحدة منها تعود إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، وقعتُ على هذه الترجمة النثرية لقصيدة تحتفي بجذور قوى الموسيقى، المتمثلة، حسب نظرية فيثاغورس، بحركة الأفلاك السامية في الإيقاع واللحن والهارموني، وهو مُعتقد نجده في رسائل إخوان الصفاء في كتابهم عن الموسيقى، وتحتفي بالرقم (واحد) باعتباره الدال على الوحدة والهوية والتعاطف وتوازن العالم. القصيدة لشاعر إيطالي من القرن الثامن عشر، لم أعثر على تعريف له، يُدعى جيوفاني ماركازي، وتنم عن أثر الفيثاغورية المتواصل حتى عصر التنوير. ولعلها تتواصل حتى عصرنا، ولكن بأردية مختلفة الألوان.

Ad

جذور قوى الموسيقى

لو أنكَ استطعتَ على هذه الضفة المعشبةِ الرحبة/ أن تسمع لحنَ أورفيوس السماوي

يأسر، دون انقطاع، خفقةَ الأجنحة/ ويُطلق سراحَ فيض النهر المتسارع.

قد ترقبُ الأشجار بصمتٍ وهي تتحرر من جذورها العميقة/ والجبال الجهمة تتحرك،

وأسراب الطير تنطلق، والحيوان البري ينشط،/ والنهر يتباطأ بفعل النغمة الفرحة.

أيتها الروح التي تبعثُ الحياةَ في الهيئات الأرضية هذه،/ امنحيها شكلها، وابتهجي بانسجام،

هو ذاتُك، هذا الهارموني الحقيقي./ انظري إلى محيطك، أسيرِ معرفتك وحدها.

متألقة حتى وأنت في رقدةِ النوم،/ مقموعة وسجينة للطين الموحل.

آه لو استطعتِ البوحَ باللسان الواهن بجذرك الأول.

فافعلي، علّني أكشف على الورق/ ما تمنحه الأساليب الموسيقية، من نظام وقيمة.

ما من شيء مما تهبُ اليدُ الإلهية/ من عظيمِ الصنع، ليوازيك جمالا.

ليس فقط منذ خُلقتِ فيها من أنفاسه/ كروح خالدة لتُمسك بمساند السماء

وتُفعم بالحيوية هذه التضاريس الطبيعية الماردة.

ولذا امتلئي حياةً، وابتهجي بفضائلك، منطوية على الهارموني الذي منه تشكلت،

وبإرادته التي أبتْ إلا أن تفوقي كل الأشكال.

لقد ابتدأت وضع الألحان/ كاشفةً عن إلهامك/ عن إذهالِكِ المُسكر الغني.

هل كُتب على أغنيتي أن تعجزَ من أن تحررك من زنزانتك.

أمازلت ترجعين إلى الجمال، مسكنك الأول،/ حيث كل لحن يولد حراً،

وما أرضنا مقارنةً به إلا ظلال.

إذا ما صرح فيثاغورُك عن الحقيقة في الفكر المطلق السيادة،/ فإن (العدد) كان الجذر،

وإذ مزجه بالثلج / ليلطّف من حرارته، كان العددُ في المقام الأول من تفكيره،

رغبةً في أن يجعل الانسان مطمئناً وعادلاً،

ومنذ خلق هذا الجمع من النجوم، والقمر والشمس،/ كان الرقمُ نموذجَه الأول،

مانحاً الروحَ أجنحةً لتحلق حيث المعبد المقدس

وقدْ مسها توافق الرقم، كقيثارة محكمةِ الأوتار، تعبّرُ عن البُحران المتّقدِ المقدس.

أين ترى الروح لتسمع الأصوات وهي تولّدُ من بعضها لحناً/

كنجومِ تمخر، بطيئةً حيناً، مسرعةً حيناً، عُباب السماء.