التطوع في دولنا معضلة، فلا تجد جهة ترحب بتطوعك، وقد تُرفض لأي سبب من الأسباب، فكيف يمكننا أن نجعل الشعب إنسانياً ونحن لا نملك ثقافة التطوع؟ في حين في أوروبا الجميع متطوعون والجميع إنسانيون، والجميع مجبرون أن يساعدوا هذا اللاجئ دون النظر إلى دينه أو جنسيته أو جنسه أو مذهبه.

Ad

كانت الفكرة بسيطة كبساطة هذا العنوان، حيث قررنا، أنا ومجموعة من أصدقائي في الإنسانية الذين كنت أعرف بعضهم، وتعرفت على بعضهم الآخر حديثا، القيام برحلة إلى النمسا لتفقد أحوال اللاجئين وتقديم أي مساعدة ممكنة، عائشة الشربتي من البحرين وعبدالرحمن اليوسف ومحمود القطان وخليل العوضي وأنا من الكويت قررنا توثيق الرحلة، وتسجيل ملاحظاتنا، إذ بدأنا حملتنا المتواضعة في وسائل التواصل الاجتماعي حاملين معنا همّاً واحدا: كيف يمكننا تقديم المساعدة؟

في يوم وصولنا قررنا زيارة محطة القطار الرئيسية تلك التي خصصت جزءا منها لإعطاء اللاجئ مستشفى صغيرا  ومكاناً للنوم والاستحمام وتقديم الطعام، وكل هذا بفضل جهود متطوعين فقط!

وحين عرضنا عليهم رغبتنا في التطوع رحبوا على الفور، وقالوا ساعدوا بالترجمة أو أي شيء يحتاجه اللاجئ، وشاهدت على مدى أيام بعض الهنود من الطائفة "السيكيه" يطبخون بشكل يومي الأرز والعدس والسلطة، ويقدمون طعاما دافئا ولذيذا لهؤلاء اللاجئين، واتضح أنهم يطبخون يوميا ثلاث وجبات بما يقارب 150 كيلوغراما من الأرز ومن جيبهم الخاص، لم يقولوا إنهم مسلمون أو مسيحيون ولن نساعدهم، بل قدموا هذا الطعام يوميا من أجل المساعدة فقط ولا شيء آخر غير ذلك.

ذهبنا في اليوم الثاني إلى مركز جديد، كان مبنى لجريدة، وتحول إلى مركز لإيواء اللاجئين من خمسة طوابق، عرضنا خدماتنا ورحبوا بها على الفور، فساعدنا بالترجمة ونقلنا رسائل اللاجئين للمسؤولين، وآخر اليوم شكرونا كثيرا وطلبوا أن نأتيهم في أي وقت فراغ، اللاجئون لم يقتصروا على الجنسية السورية كما توقعنا، بل كانوا من العراقيين والأفغان والإيرانيين واليمنيين والباكستانيين والكثير من الجنسيات.

كلهم يشعرون بخيبة أمل من الدول العربية التي قدمت النقود عن بعد ولم تساعد في احتوائهم كما قامت أوروبا، يشعر اللاجئ بالخذلان من العرب وبكثير من الامتنان للأوروبيين الذين رحبوا بهم، وقدموا لهم مأوى وخدمات صحية وأهم الأساسيات.

تدفق اللاجئين يزداد بشكل يومي، فثَقل الحمل على الدول الأوروبية، نعم الكويت مركز إنساني حسب تقييم الأمم المتحدة، ولكن حتى الأمم المتحدة مقصرة كثيرا مع اللاجئين، وجزء كبير من التبرعات التي قدمتها الدول ومن ضمنها الكويت تستقطع لمعاشات الموظفين، والدول المستضيفة وفي نهاية اليوم يبقى الفتات للاجئ.

والمصيبة الثانية في ثقافة التطوع عندنا، فعلى سبيل المثال إن رغبت في التطوع في الكويت فإنك ستعاني الأمرّين من عدم وجود جهة ترحب بتطوعك، أو يتم رفضك لأي سبب من الأسباب، إن كان التطوع بحد ذاته معضلة في دولنا فكيف يمكننا أن نجعل الشعب إنسانياً؟

هنا في أوروبا الجميع متطوعون والجميع إنسانيون، والجميع مجبرون أن يساعدوا هذا اللاجئ دون النظر إلى دينه أو جنسيته أو جنسه أو مذهبه، في حين نحن نتقاتل في أوطاننا لهذه الأسباب.

قفلة:

حين قررت القيام بهذه الرحلة التطوعية على حسابي الخاص، ورغم كل التشجيع فإن الناس كانت كثيرا ما تقول: لماذا لا تقدمون التطوع لهذه الجنسية دون تلك أو لهذه الدول دون تلك، حتى في رغبتي في التطوع واجهت تعليقات عنصرية تحرضني على مساعدة جنسية دون أخرى، وتلك بحد ذاتها عنصرية مقيتة أتمنى لو أنها تختفي من عالمنا العربي.