أثار مشروع الحكومة لتعديل قانون تنظيم القضاء زوبعة من الاعتراضات من جانب رجال القضاء ومن آخرين، وأبرزت الصحف المحلية أن مشروع الحكومة من شأنه تقليص استقلالية القضاء إدارياً ومالياً.

Ad

مالياً، نشأ الخلاف عندما أصدر مجلس القضاء قراراً بشأن مرتبات سلك القضاء والمزايا المالية والعينية، وامتنعت الحكومة عن اعتماد وتطبيق قرارات مجلس القضاء، مما حدا بعدد كبير من القضاة وأعضاء النيابة إلى رفع دعوى ضد وزير المالية ووزير العدل لرفضهما تطبيق القرار بالامتناع السلبي، وصدر حكم قضائي بإلزام الحكومة تطبيق قرار المجلس الأعلى للقضاء، واستند الحكم إلى أن السلطة القضائية لها، بموجب الدستور، استقلال إداري ومالي، ولايزال الخلاف قائماً، وأتوقف عند هذا الحد في مناقشة الجانب المالي إلى مقال قادم.

وأدخل في بيان الخلاف الإداري، الذي أثاره مقترح الحكومة المقدم من وزير العدل لإدخال تعديلات على قانون تنظيم القضاء، أو قانون السلطة القضائية، وهو التعبير المفضل عند القضاء.

يتركز اعتراض القضاء على مشروع الحكومة حول تدخلها في عضوية المجلس الأعلى للقضاء والتعامل مع قراراته المتعلقة بالشؤون الإدارية والتنظيمية، وبإدارة مرفق القضاء، ومن أبرز هذه الاعتراضات ما جاء في المادة 16 في مقترح الحكومة في شأن عضوية المجلس الأعلى للقضاء في مشاركة وكيل وزارة العدل كعضو في المجلس الأعلى للقضاء، في حين أن رأي القضاة استبعاد تمثيل السلطة التنفيذية في عضوية المجلس باعتبار ذلك تدخلاً في شأن القضاء.

بالإضافة إلى ذلك، جاء في اقتراح الحكومة إبقاء نص المادة 17 من قانون تنظيم القضاء، الصادر بمرسوم سنة 1990، والتي تقضي بأن "يحيل مجلس القضاء ما يبدي الرأي فيه أو ما يقترحه في المسائل المتعلقة بالقضاء والنيابة العامة إلى وزير العدل للنظر في اتخاذ ما يراه من الإجراءات الإدارية أو التشريعية اللازمة في هذا الشأن".

ويرى المعنيون بالقضاء أن هذا النص يعتبر تدخلاً في شأن القضاء وتجاوزاً على ما جاء في النص الأصلي للقانون، الذي جاء فيه: "ينظر المجلس الأعلى للقضاء في كل ما يتعلق بشأن التعيين والنقل والندب للقضاة وأعضاء النيابة العامة بناء على طلب الوزير أو من تلقاء نفسه".

بينما نص تعديل الحكومة على إحالة ما يبدي المجلس فيه من رأي أو اقتراح إلى وزير العدل للنظر، وأضع تحت "النظر" خطين، في اتخاذ ما يراه (أي الوزير)، أي بمعنى ما يوافق عليه من إجراءات إدارية أو تشريعية.

ويرى القضاء أن في ذلك ما يعتبر تدخلاً جسيماً، ويجعل من مجلس القضاء هيئة استشارية لا تتخذ قرارات فحسب، بل ترفع ما لديها من آراء واقتراحات إلى الوزير كي يتخذ إجراءات إدارية أو تشريعية، وهو ما يجعل من مجلس القضاء الأعلى هيئة استشارية ويجرده من حقه في اتخاذ قرارات بشأن إدارة المرفق القضائي.

هنالك نقاط أخرى جديرة بالمناقشة، لكن إذا تم حل المسائل الأساسية المشار إليها، فتصبح معالجة القضايا الأخرى أهون، ولايزال الأمر بين أخذ ورد بين القضاة والحكومة ومجلسها النيابي.