أعادت المحكمة الدستورية هيئة مكافحة الفساد إلى نقطة الصفر مع إعلان عدم دستورية قانون الهيئة وانتفاء حالة الضرورة في إصدار المرسوم.

Ad

قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد، الصادر بمرسوم ضرورة من قبل الحكومة بعد حل مجلس الأمة عام 2009؛ لانتفاء حالة الضرورة التي اشترطت توافرها المادة 71 من الدستور.

وقالت المحكمة الدستورية في جلستها، أمس، برئاسة المستشار يوسف المطاوعة وعضوية المستشارين محمد بن ناجي وخالد سالم وخالد الوقيان وإبراهيم السيف في حيثيات حكمها، إن الدستور رسم للتشريع الاستثنائي حدوداً ضيقة تفرضها طبيعته، مضيفة: وإن جاز للسلطة التنفيذية استثناء من الأصل إصدار مراسيم تكون لها قوة القانون وفق المادة 71 من الدستور، إلا أن مناط استعمال هذه الرخصة إنما شرعت لهذه الأغراض وليس لاتخاذها وسيلة لتكون السلطة التنفيذية سلطة تشريعية.

انتفاء الضرورة

وأوضحت أن ما تناولته المذكرة الإيضاحية لمرسوم قانون مكافحة الفساد لا يصلح بذاته سنداً لقيام حالة الضرورة المبررة لإصدار هذا المرسوم بقانون، خصوصاً أنه لم يطرأ من الأحداث أو الظروف أو ما يشير إلى أن أموراً معنية قد تفاقمت أو أوضاعاً قائمة قد استفحلت خلال غيبة  مجلس الأمة، يمكن معها أن تتوافر تلك الضرورة التي تبيح استعمال رخصة التشريع الاستثنائية، وفي مايلي نص حيثيات حكم المحكمة الدستورية كاملة:

- أكدت المحكمة الدستورية أن الطاعن ينعى في طعنه بعدم الدستورية على المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 2012 أنه قد صدر مخالفاً للدستور، إذ لا تنطبق على إصداره الشروط التي تطلبتها المادة (71) منه والتي تنص على أنه، "إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية".

ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك، أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من أثرها بوجه آخر".

وأضافت المحكمة، وحيث إن الواضح من المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 2012 المشار إليه أنه قد احتوى على (85) مادة وردت في سبعة أبواب، تضمن (الباب الأول) منها الأحكام العامة استهلت ببيان معاني المصطلحات الواردة في المرسوم وتحديد الأشخاص الخاضعين لأحكامه (المادتان1 و 2)، وعرض (الباب الثاني) لإنشاء هيئة عامة لمكافحة الفساد محدداً أهدافها واختصاصاتها، ومهام وصلاحيات مجلس الأمناء الذي يتولى الأمور الفنية والإدارية والمالية المتعلقة بعملها (المواد من 3 إلى 17)، كما تناول هذا الباب تنظيم الشؤون المالية للهيئة، وكيفية مشاركة المجتمع في مكافحة الفساد (المواد من 18 إلى 21)، وأبان (الباب الثالث) جرائم الفساد وإجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة والجهات المختصة بكل مرحلة منها (المواد من 22 إلى 28)، ونظم (الباب الرابع) الكشف عن الذمة المالية وحدد الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا الباب، وبين المقصود بالذمة المالية المطلوب الكشف عنها وشكل ومضمون إقرار الذمة المالية وتقديمه وسريته ولجان الفحص وكيفية التصرف حياله (المواد من 29 إلى 35)، كما تناول (الباب الخامس) ما يتعلق من أحكام ولحماية المبلّغ، وبين المقصود من الإبلاغ وشروطه وآلية تقديمه وحماية المبلّغ وإجراءات هذه الحماية واختتمها بضمان الدولة تعويضه عن أي أضرار مادية أو معنوية تلحقه نتيجة لتقديمه البلاغ، وبين الحوافز المادية والمعنوية التي يجوز منحها للمبلّغ (المواد من 36 إلى 42)، وفصل (الباب السادس) العقوبات المقررة على مخالفة أحكام هذا المرسوم سواء كانت عقوبات أصلية أو تبعية أو تكميلية، مبيناً الأفعال المؤثمة والعقوبات المقررة لكل جريمة، وحدد حالات الإعفاء من العقاب وشروطه (المواد من 34 إلى 52)، وتضمن (الباب السابع) الأحكام الختامية التي تتعلق بعدم سقوط الدعوى الجزائية في جرائم الفساد، وحق المحكمة في أن تدخل في الدعوى أي شخص ترى أنه استفاد فائدة جدية من الكسب غير المشروع ليكون الحكم بالرد أو المصادرة نافذاً في ماله بقدر ما استفاد، كما نص على أن العقوبات الواردة في هذا المرسوم لا تمنع من توقيع أي عقوبة أشد تكون مقررة في قانون آخر للفعل المرتكب، وعلى أن يكون العمل بهذا المرسوم بقانون اعتباراً من تاريخ نشره (المواد من 53 إلى 58).

مقتضيات المرسوم

وقالت المحكمة، إن المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم تضمنت مقتضيات إصداره بالإشارة إلى أنه" لما كان الفساد وما ينطوي عليه من جرائم اقتصادية واجتماعية من شأنها زعزعة استقرار المجتمعات وأمنها وتقويض مؤسسات الدولة والمساس بسيادة القانون فيها، ويساعد على انتهاك حقوق الإنسان، وتعريض التنمية والعدالة للخطر ويعد من الظواهر الخبيثة التي تهدد كيان المجتمع، وتصيبه بآثار ضارة ولأن الفساد لم يعد محلياً، فقد أبرمت الأمم المتحدة في سبتمبر 2003 اتفاقية لمكافحته انضمت إليها دولة الكويت بالقانون رقم 47 لسنة 2006 وقد نصت تلك الاتفاقية في مادتها (السادسة) على أن تكفل كل دولة طرف وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني وجود هيئة أو هيئات حسب الاقتضاء تتولى منع الفساد.

ومع مراعاة ما التزمت به دولة الكويت، ولما كان القانون هو أداة الدولة لتحقيق ما يتطلبه المجتمع فقد حرص الدستور الكويتي على ألا يتعطل إصدار القوانين فأجاز في المادة (71) منه إصدار مراسيم لها قوة القوانين إذا حدث ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، وذلك مراعاة للمصلحة العليا للبلاد في مواجهة هذه الأمور عند توافر الضرورة التي تقتضي سرعة معالجتها.

وبيت المحكمة أنه وإزاء ما مرت به البلاد من أزمات نجم عنها إخفاقات شابت العمل في العديد من أجهزة الدولة، وتسببت في كثير من مظاهر الفساد ومن ثم أصبح إصلاح الوضع استحقاقاً وطنياً حتمياً تستوجب الضرورة مواجهته ومعالجته بالسرعة اللازمة، خصوصاً وأن البلاد مقدمة في هذه الفترة على إجراء انتخابات عامة للمجلس التشريعي وما يصاحبها من حملات انتخابية يتعين أن تتسم بطهارة اليد ونقاء الذمة، واستجابة لهذه الضرورة الملحة كان إصدار المرسوم بقانون المرافق لإنشاء هيئة عامة تنهض بمكافحة الفساد ومعالجة أسبابه".

رخصة الاستثناء

ولفتت المحكمة إلى أنه، وحيث إن الدستور رسم للتشريع الاستثنائي- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- حدوداً ضيقة تفرضها طبيعته، وأنه وإن أجاز للسلطة التنفيذية – استثناء من الأصل إصدار مراسيم تكون لها قوة القانون وفق المادة (71)، إلا أن مناط استعمال هذه الرخصة الاستثنائية إما أن تقتضيها ضرورة ملحة أو كان توقياً لخطر تقدر ضرورة رده، باعتبار أن هذه الرخصة إنما شرعت لهذه الأغراض، وليس لاتخاذها وسيلة لتكون السلطة التنفيذية سلطة تشريعية على غير ما تقتضيه المادة (52) من الدستور، وإذا كان الأمر كذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، وبالتالي، فإن توافر حالة الضرورة -بضوابطها- لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها، إذ هي علة اختصاصها في مواجهة الأوضاع الطارئة، والظروف الضاغطة بتلك التدابير العاجلة، وهي مناط استعمالها لهذه الرخصة الاستثنائية، ومن ثم تمتد إليها رقابة هذه المحكمة للتحقق من مدى التزامها بالحدود التي رسمها الدستور في هذا الشأن، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية، وهي من طبيعة استثنائية إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها.

وأوضحت المحكمة، وأنه متى كان ذلك، وكان الواضح من المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 2012 سالف الذكر، أنه ليس في المسائل التي تناولها بالتنظيم ما يوجب الإسراع في اتخاذ إجراء تشريعي عاجلاً يتحمل الأناة والانتظار، وأن ما تناولته المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم وإن جاز أن تندرج ضمن البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية في مجال مكافحة الفساد ومعالجة أسبابه، إلا أنه لا يصلح بذاته سنداً لقيام حالة الضرورة المبررة لإصدار هذا المرسوم بقانون، خصوصاً أنه لم يطرأ من الأحداث أو الظروف أو ما يشير إلى أن أموراً معينة قد تفاقمت أو أوضاعاً قائمة قد استفحلت- خلال غيبة مجلس الأمة- يمكن أن تتوفر معها تلك الضرورة التي تبيح استعمال رخصة التشريع الاستثنائية المقررة بالمادة (71) من الدستور، فضلاً عن أن المرسوم المطعون عليه لم يتضمن في أحكامه ما يشير إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ذات أثر فعال تتماشى مع مبررات إصداره، فإن هذا المرسوم بقانون، واذ صدر استناداً إلى هذه المادة، وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها، يكون مشوباً بمخالفة الدستور من الوجهة الشكلية، وحق القضاء- ومن ثم- بعدم دستوريته، ودون أن يغير من ذلك أن يكون مجلس الأمة قد أقره، وذلك أن إقرار المجلس لهذا المرسوم لا يسبغ عليه المشروعية الدستورية، ولا يطهره من العوار الذي لحق به على نحو ما كشفت عنه هذه المحكمة آنفاً من الوجهة الدستورية، ولا حاجة- من بعد- إلى التعرض إلى باقي ما أثاره الطاعن من مطاعن دستورية على ما تعلق بنصوص هذا المرسوم من الوجهة الموضوعية لزوال تلك النصوص التي كانت محلاً لهذه المطاعن بقضاء هذه المحكمة بعدم دستورية هذا المرسوم برمته ، فلهذه الأسباب حكمت المحكمة: بعدم دستورية المرسوم بالقانون رقم 24 لسنة 2013 بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية.