تسابق مسؤولون شيعة في بغداد إلى إدانة دخول قوة تركية عسكرية محدودة إلى مشارف الموصل، التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»، حتى إن رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، وهو كردي، دان دخول هذه القوة، رغم أنها ستتولى تقديم الدعم، كما يقال، لقوات البيشمركة الكردية.
واعتبرت بغداد توغل تركيا انتهاكاً للسيادة، «ولوحت أحياناً بأن الأكراد قد يتواطأون ويدفعون الثمن»، إلا أن متحدثين قريبين من قيادة البيشمركة الكردية في أربيل سجلوا استغرابهم من الغضب البغدادي، قائلين إن الفوج القتالي جاء ليستبدل فوجاً تركياً قديماً، ظل يتولى لشهور إسناد البيشمركة بالسلاح والتدريب، كتنسيق بين أربيل وحلف شمال الأطلسي الذي تمثله تركيا، وبعلم بغداد.أما محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي فذهب إلى أبعد من ذلك، وكتب على حسابه الشخصي في «فيسبوك»، أن رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس البرلمان سليم الجبوري، طلبا إسناداً من تركيا قبل نحو سنة في الحرب ضد «داعش»، وبناءً عليه أرسلت أنقرة طائرتي شحن عسكريتين محملتين بالذخائر إلى بغداد، وأرسلت مدربين للبيشمركة وقوات تحرير نينوى، التي تشكلت تحت إمرة المحافظ السابق وقوامها بحدود 5 آلاف جندي.واعتبر النجيفي تصريحات العبادي، التي تدين دخول الفوج التركي، استمراراً في إنكار الاتفاقات السابقة تحت ضغوط خارجية، في إشارة إلى إيران التي لا تحبذ تقارباً بين بغداد وأنقرة. وكتب النجيفي، وهو من أبرز القادة السنة في العراق، وشقيقه أسامة النجيفي، الرئيس السابق للبرلمان: «أقول للذين يتبرأون من قراراتهم إننا لن ندخر جهداً لتحرير مدينتنا، بعد أن خذلتمونا أول مرة، وسلمتم مدينتنا لداعش، وبعد أن تخليتم عنا مرة ثانية، ولم تقدموا أي عمل جدي لتحريرها».وسبق للقوى السنية أن اتهمت العبادي بأنه تبرأ من اتفاقاته، حين دان مؤتمراً للعرب السنة العراقيين أقيم في الدوحة الخريف الماضي، وضم معارضين تحت شعار توحيد المطالب التفاوضية لسنة العراق.وقيل حينها إن العبادي وعد بالتنسيق، ثم تراجع بعد أن لاحظ غضب إيران وميليشيات عراقية موالية لها، من لهجة المؤتمر الذي طالب باللامركزية الإدارية، وانتقد تجاوز الميليشيات على الدولة.لكن معارضي الدور التركي في العراق يرفضون أن تكون القوة العسكرية الداخلة مجرد فوج ذي جهد استشاري، فقد رافقته نحو عشرين مدرعة، وبدأ ينشئ قاعدة عسكرية حسب المصادر التركية نفسها، على مشارف الموصل، والأخطر في التحليل المعتمد في بغداد اليوم هو أن هذا التحرك جاء بعد أسبوع من زيارة رئيس لجنة الشؤون المسلحة في الكونغرس الأميركي السيناتور الجمهوري النافذ جون ماكين لبغداد، وحرصه على الحديث بشكل قد يبدو مبالغاً فيه، لكنه ينطوي على معنى حساس جداً، حول «قوات إقليمية من تركيا ومصر والخليج» تدخل في تحالف مع جيوش الغرب لدحر «داعش» ونظام الرئيس السوري بشار الأسد في الوقت نفسه، وتحرير الموصل والمنطقة السنية بالعراق وحمايتها من النفوذ الإيراني.في هذا الإطار، اعتبرت الأحزاب الشيعية دخول الفوج التركي جس نبض، جاء مباشرة بعد حديث جون كيري، وزير خارجية أميركا ولأول مرة، حول خطة البنتاغون لنشر قوات برية، خصوصاً من الجيش الأميركي، تتولى تقديم إسناد أكبر للجيش العراقي، ما اضطر العبادي إلى رفضه بشكل متكرر.وبات واضحاً في بغداد أن الغرب جاد في التفكير بإنشاء منطقة تسيطر عليها القوى الغربية وجيوش إقليمية، تمنع إيران وروسيا من بناء نفوذ في المنطقة الممتدة من تكريت وسط العراق حتى سواحل اللاذقية على البحر المتوسط، ولذلك أخذ مسؤولون شيعة في بغداد يكررون القول إن «الأيام حبلى بالأحداث»، مدركين أنهم سيواجهون المزيد من الضغوط الاستثنائية من طهران وواشنطن، اللتين ستصطدمان مجدداً في أكثر من مستوى، وبنكهة تركية روسية هذه المرة.
أخبار الأولى
فوج عسكري تركي يثير هلعاً واتهامات كبيرة في بغداد
07-12-2015