يحاول الجناح المتشدد في البيت الشيعي أن يستعيد بعض مكانته في العراق، بعد أن أمضى أسابيع من الخسارات الجسيمة والمباغتة، ففي نهاية يوليو الماضي، كان واضحاً أمام الجمهور الشيعي أن الجزء المقرب إلى طهران في فصائل الحشد الشعبي، بات عاجزاً عن تنفيذ وعوده بتحرير الفلوجة والرمادي من "داعش".

Ad

وهرباً من تلك النكسة الشعبية، راحت تلك الفصائل تهدد بالعصيان المدني ضد حكومة حيدر العبادي، وتطالب بتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، ونزل جمهورها في تظاهرات بغداد والبصرة خصوصاً، وكانت النتيجة مباغتة للمقربين إلى طهران، إذ نجحت المرجعية الدينية في النجف، في تحويل الرأي العام إلى مؤيد للعبادي عبر دفعه إلى مجموعة إصلاحات وتدابير أفرحت الجمهور، وهنا تلقت الفصائل صفعة ساخنة وفشلت محاولتها "للنيل من الدولة لمصلحة الميليشيا".  ثم تكللت الخسارة بفقدان نوري المالكي منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، كجزء من الإصلاح والترشيق الإداري، كما عجز عن أن يصبح زعيماً للكتلة الشيعية النيابية، وبهذا خسر الجناح المتشدد وجهاً أساسياً من وجوهه وداعميه ورعاته.

 وكانت الأسابيع الستة الماضية، باختصار، خفوتاً لنجم الفصائل المتشددة وخسارات متلاحقة لرموزها، الذين لم يعد الجمهور يعبأ بهم، فقد أصبحوا مناوئين للنجف بنحو شبه معلن، عاجزين عن تحقيق انتصار ميداني، وليس لديهم ما يقولونه للجمهور الانفعالي.

لكن غرفة العمليات "السياسية والأمنية" التي يديرها الجنرال قاسم سليماني ومساعدوه العراقيون، لا تستسلم، وهي منذ بضعة أيام تحاول استعادة الدور، والرد على فريق العبادي ومرجعية النجف بردود محرجة جداً، تستهدف استقطاب الرأي العام مرة أخرى.

 ومن تلك الردود تصعيد الخطف، الذي يظهر ضعف الدولة، خاصة عملية خطف العمال الأتراك في بغداد، والتي عجز الجيش عن التعامل معها، ودخل بسببها مواجهات نادرة في قلب العاصمة مع "كتائب حزب الله" الموالية لسليماني، ثم خطف نائب وزير العدل ومدير تحقيقات الوزارة.

وحاولت الكتائب هذه تشويه صورة الجيش بنحو مدروس، فبثت اعترافات لقيادي في "داعش"، يزعم فيها أنه يعمل بالتعاون مع الضباط "العلمانيين المعترضين على نفوذ إيران".

أما سياسياً فقد بدأت الفصائل والنواب المغمورون المحسوبون على المالكي، بمهاجمة رئيس البرلمان سليم الجبوري، بسبب زيارته الأخيرة لقطر، والتي تزامنت مع مؤتمر مهم لسنة العراق شهدته الدوحة، كما بدأ قادة الفصائل بمهاجمة قانون الحرس الوطني الذي صاغه العبادي بنحو يضمن إعادة الميليشيات إلى "بيت الطاعة"، حتى أن هادي العامري اعتبر القانون "تدخلاً أميركياً" في شؤون العراق.

ويقول المطلعون على هذا الشأن، إن الحشد الشعبي يحاول ترميم صورته، ولكنه يدرك في الوقت نفسه أن "شيئاً ما، يتعرض للتغيير" من جهة الدور الأميركي، فقد جرى "إخضاع السنة" بإرادة طهران، وتوقفت المفاوضات معهم منذ شهور، وتصور حلفاء إيران أنهم انتهوا من هذا، لكنهم بدأوا يرصدون تحركاً أميركياً لإعادة تنظيم الوضع السني ودفع الأمور نحو تشكيل قوة سياسية وعسكرية للسنة في غرب العراق، وهذا أخطر ما يقلق طهران، التي تبدي استعدادها لخوض حرب حقيقية إذا انقطع الخط البري الرابط بين طهران ودمشق، عبر ديالى والأنبار وسط العراق.

ولذلك فمن المرجح أن يضرب متشددو الشيعة مصالح أميركا بأكثر من طريقة، خلال الفترة المقبلة، إذا لم يتمكن الجناح المعتدل في طهران وبغداد من تطويق مستوى التوتر.

السيستاني يدعو مسلحين شيعة للإفراج عن العمال الأتراك

طالب المرجع الأعلى الشيعي في العراق السيد علي السيستاني أمس بإطلاق سراح 18 عاملا تركيا خطفوا من بغداد خلال الشهر الجاري، بعد عرض فيديو يظهر احتجاز الرهائن لدى مسلحين شيعة هددوا بمهاجمة المصالح التركية.

وظهر العمال في فيديو من توقيع "فرق الموت" وأمام شعار "لبيك يا حسين".

وعرضت مطالب على الشاشة في الفيديو تشمل وقف "تدفق المسلحين من تركيا إلى العراق، ووقف مرور "النفط المسروق" من إقليم كردستان العراق، ورفع حصار "جيش الفتح" في سورية عن قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين.

وكان الجيش العراقي اشتبك قبل أيام مع مسلحين من "كتائب حزب الله العراق"، وهو فصيل شيعي متشدد مقرب من طهران، خلال مداهمة مكان يعتقد أن العمال الأتراك احتجزوا فيه.