في الليلة السادسة والعشرين تواصل شهرزاد حكاية أشقاء {حلاق بغداد} وتصل إلى الشقيق الخامس المقطوع الأذنين الذي اشترى بحصته من ميراث أبيه زجاجاً وجلس يحلم في الشارع أنه تاجر في الزجاج إلى أن اتسعت تجارته وطلب يد ابنة الملك ، وأنه تزوجها وقالت له ليلة العرس، يا سيدي بحق الله عليك لا ترد القدح من يد جاريتك، فلا أكلمها، فتلح عليَّ وتقول: لابد من شربه وتقدمه إلى فمي، فأنفض يدي في وجهها وأرفسها وأعمل هكذا، ثم رفس شقيق الحلاق برجله فجاءت في قفص الزجاج وكان في مكان مرتفع فنزل على الأرض فتكسر كل ما فيه.

Ad

ولما جاءت الليلة السادسة والعشرون، قالت شهرزاد، بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد، أنه لما راح رأس المال والربح من يدي شقيق الحلاق، ولم يزل جالساً يبكي، وإذا بامرأة مقبلة إلى صلاة الجمعة وهي بديعة الجمال تفوح منها رائحة المسك، وتحتها بغلة بردعتها من الديباج، مزركشة بالذهب، ومعها عدد من الخدم، فلما نظرت إلى الزجاج وحال أخي وبكائه أخذتها الشفقة عليه، ورق قلبها له، وسألت عن حاله، فقيل لها: إنه كان معه طبق زجاج يتعيش منه فانكسر منه فأصابه ما تنظرينه، فنادت أحد الخدم وقالت له: ادفع الذي معك إلى هذا المسكين، فدفع له صرة، فأخذها وفتحها فوجد فيها خمسمائة دينار، فكاد أن يموت من شدة الفرح، وأقبل أخي بالدعاء لها، ثم عاد إلى منزله غنياً وقعد متفكراً وإذا بداق يدق الباب، فقام وفتح وإذا بعجوز لا يعرفها فقالت له: يا ولدي اعلم أن الصلاة قرب وقتها، وأنا بغير وضوء وأطلب منك أن تدخلني منزلك حتى أتوضأ، فقال لها: سمعاً وطاعة ثم دخل أخي وأذن لها بالدخول وهو طائر من الفرح بالدنانير، فلما فرغت أقبلت إلى الموضع الذي هو جالس فيه وصلت هناك ركعتين، ثم دعت لأخي دعاء حسناً فشكرها على ذلك وأعطاها دينارين، فلما رأت قالت: سبحان الله أني لا عجب ممن أحبك وأنت بسمة الصعاليك، فخذ مالك عني وإن كنت غير محتاج إليه فاردده إلى التي أعطتك إياه لما انكسر الزجاج منك، فقال لها أخي: يا أمي كيف الحيلة في الوصول إليها، قالت: يا ولدي إنها تميل إليك، لكنها زوجة رجل موسر، فخذ جميع مالك معك فإذا اجتمعت بها فلا تترك شيئاً من الملاطفة والكلام الحسن إلا وتفعله معها، فإنك تنال من جمالها ومن مالها جميع ما تريد.

فأخذ أخي جميع الذهب وقام ومشى مع العجوز، ولم تزل تمشي وأخي يمشي وراءها، حتى وصلا إلى باب كبير فدقته، فخرجت جارية رومية فتحت الباب فدخلت العجوز وأمرت أخي بالدخول، فدخل داراً كبيرة رأى فيها مجلسا كبيرا مفروشاً، وستائر مسبلة، فجلس أخي ووضع الذهب بين يديه، ووضع عمامته على ركبته، فلم يشعر إلا وجارية أقبلت، ما رأى مثلها الراءون، وهي لابسة أفخر القماش، فقام أخي إجلالا لها فلما رأته ضحكت ورحبت به، ثم ذهبت إلى الباب وأغلقته، ثم أقبلت على أخي وأخذت يده ومضيا جميعاً إلى أن أتيا إلى حجرة منفردة فدخلاها، وإذا هي مفروشة بأنواع الديباج، فجلس أخي وجلست بجانبه ساعة، ثم قامت وقالت له : لا تبرح حتى أجيء إليك، وغابت عن أخي ساعة، فبينما هو كذلك إذ دخل عليه عبد أسود عظيم الخلقة ومعه سيف مجرد يأخذ لمعانه البصر وقال له: ويلك!

العبد الأسود

قالت شهرزاد، لما دخل العبد الأسود وقال ويلك ومن جاء بك إلى هذا المكان يا أخس الإنس؟ لم يقدر أخو الحلاق أن يرد عليه جواباً، بل انعقد لسانه في تلك الساعة، فأخذه العبد وعراه، ولم يزل يضربه حتى سقط على الأرض، فرجع العبد عنه واعتقد أنه مات، وصاح صيحة عظيمة ارتجت لها الأرض ودوى المكان، وقال: أين المليحة؟ فأقبلت إليه جارية في يدها طبق مليح فيه ملح أبيض، فصارت الجارية تأخذ من ذلك الملح وتحشوا الجراحات التي في جلد أخي وهو لا يتحرك خيفة أن يعلموا أنه حي فيقتلوه، ثم مضت الجارية، وصاح العبد صيحة مثل الأولى، فجاءت العجوز إلى أخي وجرته من رجله إلى سرداب طويل مظلم ورمته فيه على جماعة مقتولين.

استقر في مكانه يومين كاملين، وكأن الله سبحانه وتعالى جعل الملح سبباً لحياته لأنه قطع سيلان عروق الدم، فلما رأى أخي في نفسه القوة على الحركة، قام وفتح طاقة في الحائط وخرج من مكان القتلى وأعطاه الله عز وجل الستر فمشي في الظلام واختفى في هذا الدهليز حتى الصباح، فلما كان وقت الصبح خرجت العجوز في طلب صيد آخر فخرج أخي في أثرها وهي لا تعلم به حتى أتى إلى منزله، ولم يزل يعالج نفسه حتى برء، ولم يزل يتعهد العجوز وينظر إليها كل وقت وهي تأخذ الناس واحداً بعد واحد وتوصلهم إلى تلك الدار، وأخي لا ينطق بشيء، ثم لما رجعت إليه صحته وكملت قوته عمد إلى خرقة وعمل منها كيساً وملأه زجاجاً وشده في وسطه وتنكر حتى لا يعرفه أحد، ولبس ثياب العجم، وأخذ سيفاً وجعله تحت ثيابه، فلما رأى العجوز قال لها بكلام العجم: هل عندك ميزان يسع تسعمائة دينار؟ فقالت العجوز: لي ولد صغير "صيرف” عنده سائر الموازين، فأمض معي إليه قبل أن يخرج من مكانه يزن لك ذهبك، فقال لها أخي: أمشي قدامي فصارت وسار أخي خلفها، حتى أتت  الباب ودقته، فخرجت الجارية وضحكت في وجهه، فقالت العجوز: أتيتكم بلحمة سمينة، فأخذت الجارية بيد أخي وأدخلته الدار التي دخلها سابقاً وقعدت عنده ساعة وقامت وقالت له: لا تبرح حتى أرجع إليك.

ثم أقبل العبد ومعه السيف المجرد فقال لأخي: قم يا مشؤوم، فقام أخي وتقدم أمامه وأخي وراءه ومد يده إلى سيفه الذي تحت ثيابه وضرب به العبد فرمى رأسه، وسحبه من رجله إلى السرداب، ونادى: أين المليحة؟ فجاءت الجارية وبيدها الطبق الذي فيه الملح فلما رأت أخي والسيف بيده ولت هاربة، فتبعها أخي وضربها فرمى رأسها، ثم نادى: أين العجوز؟ فجاءت، فقال لها: أتعرفينني يا عجوز النحس؟

فقالت: لا يا مولاي فقال لها: أنا صاحب الدنانير الذي جئتي وتوضأتي عندي وصليتي ثم احتلتي عليَّ حتى أوقعتني هنا فقالت: اتق الله في أمري فالتفت إليها وضربها بالسيف فصيرها قطعتين، ثم خرج في طلب الجارية فلما رأته طار عقلها وطلبت منه الأمان، فأمنها ثم قال لها: ما الذي أوقعك عند هذا الأسود؟ فقالت: إني كنت جارية لبعض التجار، وكانت هذه العجوز تتردد عليَّ فقالت لي يوماً من الأيام: إن عندي فرحاً ما رأى أحد مثله وأحب أن تنظري إليه، فقلت لها: سمعاً وطاعة، ثم قمت ولبست أحسن ثيابي وأخذت معي صرة فيها مائة دينار، ومضيت معها حتى أدخلتني هذه الدار، فلما دخلت جاء ذلك الأسود وأخذني، ولم أزل عنده على هذا الحال ثلاث سنين بحيلة العجوز الكاهنة، فقال لها أخي: هل له في الدار شيء؟ فقالت: عنده شيء كثير، فإن كنت تقدر على نقله فانقله.

السادس مقطوع الشفتين

فقام أخي ومشى معها، ففتحت له صناديق كثيرة فيها أكياس، فبقي أخي متحيراً، فقالت له الجارية: أمض الآن ودعني هنا وهات من ينقل المال، فخرج وعاد بعشرة رجال، وجاء.. فلما وصل إلى الباب وجده مفتوحاً، ولم ير الجارية ولا الأكياس، وإنما رأى شيئاً يسيراً من المال، فعلم أنها خدعته، فعند ذلك أخذ المال الذي بقي وفتح الخزائن وأخذ جميع ما فيها من القماش ولم يترك في الدار شيئاً، وبات تلك الليلة مسروراً فلما أصبح الصباح وجد بالباب عشرين جندياً، فلما خرج إليهم تعلقوا به وقالوا له: إن الوالي يطلبك، فأخذوه وراحوا إلى الوالي، فلما رأى أخي قال له: من أين لك هذا القماش؟ فقال أخي: أعطني الأمان، فأعطاه منديل الأمان، فحدثه بجميع ما وقع له مع العجوز من الأول إلى الآخر، وكيف هربت الجارية، ثم قال للوالي: والذي أخذته خذ منه ما شئت ودع لي ما أتقوت به، فطلب الوالي جميع المال والقماش، وخاف أن يعلم به السلطان فأخذ البعض وأعطى أخي البعض، وقال له: أخرج من هذه المدينة وإلا اشنقك، فقال: السمع والطاعة، وخرج إلى بعض البلدان، فخرجت عليه اللصوص فعروه وضربوه وقطعوا أذنيه، فسمعت بخبره فخرجت إليه وأخذت له ثياباً.. وجئت به إلى المدينة ورتبت له ما يأكله وما يشربه.

وأما أخي السادس، وهو مقطوع الشفتين، فإنها كان فقيراً جداً لا يملك شيئاً، فخرج يوماً من الأيام يطلب شيئاً يسد به رمقه، فبينما هو في بعض الطرق إذ رأى داراً حسنة لها دهليز واسع مرتفع، وعلى الباب خدم، فسأل بعض الواقفين هناك لمن هي؟ فقالوا: لأحد أولاد الملوك، فتقدم أخي إلى البوابين وسألهم شيئاً، فقالوا: ادخل باب الدار تجد ما تحب من صاحبها، فدخل الدهليز ومشي فيه ساعة حتى وصل إلى دار في غاية ما يكون من الملاحة والظرف، وفي وسطها بستان ما رأى الراءون أحسن منه، وأرضها مفروشة بالرخام، وستائرها مسبلة، فصار أخي لا يعرف أين يقصد، ثم مضى نحو صدر المكان فرأى إنسانا حسن الوجه واللحية، فلما رأى أخي قام إليه ورحب به وسأله عن حاله، فأخبره بأنه محتاج، فلما سمع كلام أخي أظهر غما شديداً ومد يده إلى ثيابه ومزقها وقال: هل أكون أنا ببلد وأنت بها جائع؟ لا صبر لي على ذلك، ووعده بكل خير ثم قال: لابد أن تمالحني، فقال: يا سيدي ليس لي صبر وأني شديد الجوع، فصاح يا غلام، هات الطشت والإبريق ثم قال له: يا ضيفي تقدم واغسل يديك، ثم أومأ كأنه يغسل يده، ثم صاح على أتباعه أن قدموا المائدة فجعلت أتباعه تغدو وتروح كأنها تهيئ السفرة.

ثم أخذ أخي وجلس معه على تلك السفرة الموهومة، وصار صاحب المنزل يوميء ويحرك شفتيه كأنه يأكل ويقول لأخي: كل ولا تستحي، فإنك جائع، وأنا أعلم ما أنت فيه من شدة الجوع، فجعل أخي يومئ كأنه يأكل، والشاب يقول له: كل وأنظر هذا الخبز وأنظر بياضه! ثم إن أخي قال لنفسه: إن هذا رجل يحب أن يهزأ بالناس، فقال له: يا سيدي، إنني ما رأيت أحسن من بياض هذا الخبز ولا ألذ من طعمه فقال: هذا خبزته جارية لي اشتريتها بخمسمائة دينار، ثم صاح صاحب الدار: يا غلام! قدم لنا السكباج الذي لا يوجد مثله في طعام الملوك، ثم قال لأخي: كل يا ضيفي فإنك شديد الجوع ومحتاج إلى الأكل، فصار أخي يدور حنكه ويمضغ كأنه يأكل، وأقبل الرجل يستدعي لونا بعد ألوان من الطعام، ولا يحضر شيئاً، ويأمر أخي بالأكل، ثم صاح: يا غلام! قدم لنا الفراريج المحشوة بالفستق، ثم قال: كل ما لم تأكل مثله قط، فقال: يا سيدي، إن هذا الأكل لا نظير له في اللذة، وجعل يومئ بيده إلى فم أخي كأنه يلقمه بيده وكان يعدد هذه الألوان ويصفها لأخي بهذه الأوصاف وهو جائع، فاشتد جوعه وصار يشتهي رغيفاً من شعير، ثم قال صاحب الدار: هل رأيت أطيب من مذاق هذه الأطعمة؟ فقال له أخي: لا يا سيدي، فقال: أكثر الأكل ولا تستح، فقال أخي: اكتفيت من الطعام، فصاح الرجل على أتباعه أن قدموا الحلويات فحركوا أيديهم في الهواء كأنهم قدموا الحلويات، ثم قال صاحب المنزل لأخي: كل من هذا النوع فإنه جيد، وكل من هذه القطايف، وخذ من هذه القطيفة قبل أن ينزل منها الجلاب، فقال له أخي: لا عدمتك يا سيدي، وأقبل أخي يسأله عن كثرة المسك الذي في القطايف، فقال له: إن هذه عادتي في بيتي، فدائماً يضعون لي في كل قطيفة مثقالاً من المسك، ونصف مثقال من العنبر.

غرائب الملوك

هذا كله وأخي يحرك رأسه وشدقيه كأنه يتلذذ بأكل الحلويات، ثم صاح صاحب الدار على أتباعه أن أحضروا النقل، فحركوا أيديهم في الهواء كأنهم أحضروه، وقال لأخي: كل من هذا اللوز، ومن هذا الجوز، ومن الزبيب، ونحو ذلك، وصار يعدد له أنواع النقل ويقول له: كل ولا تستح فقال له أخي: يا سيدي لقد اكتفيت ولم يبق لي قدرة على أكل شيء فقال: يا ضيفي إن أردت أن تأكل وتتفرج على غرائب المأكولات فالله الله لا تكن جائعاً، ثم فكر أخي في استهزاء ذلك الرجل به، وقال: والله لأعملن فيه عملا يتوب بسببه إلى الله عن هذه الفعال، ثم قال الرجل لأتباعه: قدموا لنا الشراب، فحركوا أيديهم في الهواء كأنهم قدموا الشراب، ثم أومأ صاحب المنزل كأنه ناول أخي قدحاً وقال: خذ هذا القدح فإنه يعجبك، فقال له: يا سيدي هذا من إحسانك، وأومأ أخي بيده كأنه يشربه، فقال له هل أعجبك؟ فقال له: يا سيدي ما رأيت ألذ من هذا الشراب فقال له: أشرب هنيئاً وصحة.

ثم إن صاحب البيت أومأ كأنه شرب وناول أخي قدحاً ثانياً، فأومأ كأنه شربه وأظهر أنه سكران، ثم أن أخي غافله ورفع يده حتى بان بياض إبطه وصفعه صفعة رن صداها في المكان، ثم ثني عليه بصفعة ثانية، فقال له الرجل: ما هذا يا أسفل العالمين؟ فقال: يا سيدي أنا عبدك الذي أنعمت عليه وأدخلته منزلك، وأطعمته الزاد وسقيته الخمر العتيق، فسكر وعربد عليك، ومقامك أعلى من أن تؤاخذه بجهله.

فلما سمع صاحب المنزل كلام أخي، ضحك ضحكاً عالياً، ثم قال له: إن لي زماناً طويلاً أسخر بالناس، وأهزأ بجميع أصحاب المزاح والمجون، وما رأيت منهم من له طاقة على أن أفعل به هذه السخرية، ولا من له فطنة يدخل بها في جميع أموري غيرك، والآن عفوت عنك فكن نديمي على الحقيقة ولا تفارقني، ثم أمر بإخراج عدة من أنواع الطعام المذكورة أولاً، فأكل هو وأخي حتى اكتفيا، ثم انتقلا إلى مجلس الشراب فإذا فيه جوار كأنهن الأقمار، فغنين بجميع الألحان، واشتغلن بجميع الملاهي، ثم شربا حتى غلب عليهما السكر، وأنس الرجل بأخي بأنه أخوه، وأحبه محبة عظيمة، وخلع عليه خلعة سنية.

فلما أصبح الصباح عادا لما كانا عليه من الأكل والشراب، ولم يزالا كذلك مدة عشرين سنة، ثم إن الرجل مات وقبض السلطان على ماله، فخرج أخي من البلد هارباً، فلما وصل إلى نصف الطريق خرج عليه العرب فأسروه، وصار الذي أسره يعذبه ويقول له: أشتر روحك مني بالأموال وإلا أقتلك، فجعل أخي يبكي ويقول: أنا والله لا أملك شيئاً يا شيخ العرب، ولا أعرف طريق شيء من المال، وأنا أسيرك وصرت في يدك فأفعل بي ما شئت، فأخرج البدوي الجبار من حزامة سكيناً لو نزلت على رقبة جمل لقطعتها من الوريد إلى الوريد، وأخذها في يده اليمنى وتقدم إلى أخي المسكين وقطع بها شفتيه، وشدد عليه في المطالبة.

وكان للبدوي زوجة حسناء، وكان إذا خرج تتعرض لأخي وتراوده عن نفسه، وهو يمتنع حياء من الله تعالى، فاتفق أن روادت أخي يوماً من الأيام فقام ولاعبها، فبينما هما كذلك وإذا بزوجها داخل عليهما، فلما نظر إلى أخي قال له: ويلك يا خبيث، أتريد أن تفسد على زوجتي؟ وأخرج سكينا وقطع بها لسانه وحمله على جمل وطرحه من فوق جبل، وتركه وسار إلى سبيله، فمر عليه المسافرون فأطعموه وسقوه، وأعلموني بخبره فذهبت إليه وحملته، ودخلت به المدينة، ورتبت له ما يكفيه، وها أنا جئت عندك يا أمير المؤمنين وخفت أن أرجع إلى بيتي قبل إخبارك فيكون ذلك غلطا وورائي ستة أخوه وأنا أقوم بالإنفاق عليهم.

فلما سمع أمير المؤمنين قصتي وما أخبرته به عن أخوتي ضحك وقال: صدقت يا صامت، أنت قليل الكلام ما عندك فضول، ولكن الآن أخرج من هذه المدينة وأسكن غيرها، ثم نفاني من بغداد، فلم أزل سائرا في البلاد حتى طفت الأقاليم، إلى أن سمعت بموته وخلافة غيره، فرجعت إلى المدينة ووقعت عند هذا الشاب وفعلت معه أحسن الفعال ولولاي لقتل، وقد اتهمني بشيء ما هو في، وجميع ما نقله عني من الفضول وكثرة الكلام وكثافة الطبع وعدم الذوق باطل يا جماعة.

قال الخياط لملك الصين: فلما سمعنا قصة المزين وتحققنا فضوله وكثرة كلامه وأن الشاب مظلوم معه، أخذنا المزين وقبضنا عليه وحبسناه، وجلسنا حوله آمنين، ثم أكلنا وشربنا وتمت الوليمة على أحسن حال، ولم نزل جالسين إلى أن أذن للعصر فخرجت وجئت منزلي وعشيت زوجتي فقالت: أنت طول النهار في حظك وأنا قاعدة في البيت حزينة، فإن لم تخرج بي وتفرجني بقية النهار كان ذلك سبب فراقي منك، فأخذتها وخرجت بها وتفرجنا إلى العشاء، ثم رجعنا فلقينا هذا الأحدب والسكر طافح منه وهو ينشد هذين البيتين:

 

رقَّ الزجاج وراقت الخمرُ

فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنما خمر ولا قـــــــدح

وكأنما قدح ولا خمــر