بدعوة كريمة من معالي الوزير محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، تشرفت بالمشاركة في فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي السابع والثلاثين وفي ندوة العرب: نكون أو لا نكون، حيث ساهم العديد من رجالات الدولة العرب والأكاديميين وعلماء الفكر والثقافة في شرح الحالة العربية الراهنة في ظل تداعيات الربيع العربي وإفرازاتها وتراكماتها من جهة، وآفاق النظام العالمي الجديد وتحدياته وفضائه اللا متناهي من جهة أخرى.

Ad

السؤال الخطير الذي تم تداوله في هذا الملتقى هو قدرة العرب على دخول المستقبل، وبكمّ هائل من الجراحات النازفة والفشل المتراكم وهموم الشعوب وتطلعاتها، وأحلام شريحة الشباب العريضة جداً، إلى حقبة زمنية سريعة الحركة وغير مسبوقة في مجالات التواصل والمعلوماتية بشقيه البشري والتقني، وهذا بلا شك تحد كبير، ومؤشراته الرقمية لا تدع خياراً ثالثاً بين القمة والقاع.

إن معطيات الواقع العربي مؤلمة ومشاكله محزنة وأخطاره مخيفة ومستقبله حافل بالقلق، ليس بسبب غياب المشاريع المستقبلية الواضحة والجريئة فحسب، بل بسبب الاستسلام الفعلي للأمراض الحالية والتوهان في معالجة المشاكل المستفحلة بدءاً بالتعليم والخدمات العامة، مروراً بالإصلاح السياسي العام، وانتهاءً بالإرهاب والدمار.

أمام هذه الصورة السوداوية القاتمة خرجت العديد من نقاط الضوء عبر مداخلات وتحليلات المشاركين، وحلول منطقية ومخارج واعدة واقترحات إيجابية، ووفق ما يملك العرب من المحيط إلى الخليج من طاقات وإمكانات مضافة إلى القوة البشرية العربية التي تزحف لبلوغ نصف مليار نسمة من العقول والقلوب والإرادة التي يمكن تحقيق نجاحات مهمة بفضلها، إذا ما توافرت ثلاث دعامات أسياسية هي: الإدارة والإدارة وأيضاً الإدارة، إدارة الموارد وإدارة التكنولوجيا وإدارة البلاد بشرطها وشروطها، ومن أهم شروطها الإخلاص والصدق والشفافية والأمانة والتسامح.

السؤال الأهم هو: من يحمل هكذا مشروع ومن يضعه حيّز التنفيذ؟ وكان الربيع العربي بتلقائيته الصادقة وانفجاره الطبيعي قد وضع النقاط على الحروف، لكن هذا الربيع سرعان ما تم اختطافه وتمزّق بين القوى المتطرفة والمتغلفة بالدين والحرس القديم للأنظمة الزائلة منها والقائمة على حد سواء، وبالنتيجة وأمام تحديات المرحلة الجديدة لا مفر من ترجمة شعارات شباب الربيع العربي وأحلامهم بواسطة من يملك زمام الأمور، أو يعود الربيع العربي من جديد مستفيداً من فشل تجربته السابقة، والمملكة المغربية الشقيقة هي الدولة العربية الوحيدة التي احتضنت ربيعها، وبدأت فوراً بتبني مبادئه دون أن يسقط النظام والبنية التحية، أو ينحرف إسلاميوها نحو التطرف والإرهاب، ولعل إحدى مصداقيات هذا النجاح مدينة «أصيلة» الأطلسية الصغيرة والجميلة، والكبيرة والجريئة في قيادة الفكر العربي، وتحتوي العقول والمبادرات من مختلف النخب السياسية والثقافية العربية على مدى أربعة عقود من الزمن، فكم أنتِ أصيلة يا «أصيلة»!