يبدو أن الحساسيات المذهبية حالت مرة جديدة دون تمكُّن اللبنانيين من التغيير وفرض إصلاحات من خلال ممارستهم لحق التظاهر، فالحراك الذي شهدته بيروت في الأيام الأخيرة أُجهِض بعد ملامسته، ولو عن غير قصد، حساسيات لاتزال تعوق أي تطور.

Ad

انشغل لبنان أمس في تفكيك رموز محاولات الاستثمار السياسي والاختراقات السياسية لحراك الشارع الذي دعت إليه حملة "طلعت ريحتكم".

وأثارت الاحتكاكات المباشرة مع القوى الأمنية، والتي تردد أن وراءها شباناً مؤيدين لقوى سياسية شيعية أدّت إلى تحوير مسار الاعتصام الذي بدأ في ساحة رياض الصلح ونقل إلى ساحة الشهداء المجاورة وسط العاصمة، حساسيات طائفية تمثلت في دعوات وتحركات من المناطق السنية خارج بيروت، حيث نزل مؤيدون لرئيس الحكومة تمام سلام إلى الشارع مقفلين الطرقات وحارقين الدواليب، ناجحين في إعادة التوازن إلى الميدان تحت عنوان "الدفاع عن حق للسنة".

وكانت "طلعت ريحتكم" أجلت تظاهرة كانت مقررة أمس لأسباب أمنية، في وقت برز سؤال مركزي: هل ستستسلم هذه المجموعة أمام أنياب النظام القائم أم ستلتقط اللحظة وتسارع إلى التنظيم، ودرس الخطوات من دون العودة إلى الوراء متلقفةً وعي الكثيرين من المتظاهرين للمؤامرة التي حيكت؟

عودة الهدوء

ميدانياً، ساد هدوء تام في ساحة رياض الصلح أمس مروراً بشارع اللعازارية حتى ساحة الشهداء، وتمت إزالة الركام جراء تحطم لوحات إعلانية وإشارات مرور وبعض العوائق الحديدية، كما جرى تنظيف المكان بالمياه، مع الإشارة إلى أن خيم أهالي العسكريين لم تعد موجودة بعد تحطيمها أمس الأول، في حين أن الأهالي مازالوا موجودين في مكان اعتصامهم، معربين عن استيائهم مما لحق بخيمهم من أضرار.

وكان لافتاً إقدام القوى الأمنية على تحصين السراي الحكومية بنشر مكعبات أسمنتية في ساحة رياض الصلح.

في السياق ذاته، توجه وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى ساحة رياض الصلح لتفقد الأضرار، كما التقى رئيس الحكومة تمام سلام. وأكد المشنوق بعد اللقاء أنه أطلع "سلام على ما حصل، وقد أثنى على دقة أداء القوى الأمنية، وأكد على أحقية التظاهر دون التعرض للأملاك العامة".

وقال: "كانت هناك حملة مدنية سلمية لها الحق في التظاهر، وكانت هناك مجموعة تابعة لأحزاب سياسية لديها أجندة"، مضيفاً أنه "لا انتخابات نيابية قبل رئاسة الجمهورية والحوار مستمر بين الأطراف"، مؤكداً: "لن نسمح لأحد بالدخول إلى حرم السراي الحكومي أو حرم مجلس النواب".

في السياق، اتصل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع بكلّ من الرئيس سلام ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس كتلة "المستقبل" فؤاد السنيورة، وتداول معهم الأزمة المستجدة الناتجة عن "التقاعس في معالجة ملف النفايات، وما نتج عنها من أعمال شغب في العاصمة بيروت، والتي لا تليق بصورة لبنان بعد أن قام بعض المندسّين بتحوير أهداف التظاهرة السلمية".

وشدد جعجع على "وجوب احترام الاستقرار والانتظام العام في البلد والحفاظ على تماسُك الحكومة".

كما أجرى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، اتصالاً هاتفياً بسلام، واستعرض معه الأوضاع العامة في البلاد، مؤكداً أن "المدخل الأساسي اليوم لكل الحلول هو انتخاب رئيس للجمهورية".

وأعرب عن أسفه لـ"اندساس مغرضين في التظاهرات السلمية المشروعة، حيث واجهوا بعنف القوى الأمنية لتحويل التظاهرات عن هدفها الأساسي المحق".

السفير الأميركي

في موازة ذلك، ناقش السفير الأميركي ديفيد هيل مع سلام التحديات التي تواجهها الحكومة، وأشار بعد اللقاء في السراي الحكومي أمس، إلى أن الحديث دار حول "أهمية إحدى قيمنا الأساسية المشتركة؛ الحق في حرية التعبير والتجمّع"، مبيناً أن "الدستورين الأميركي واللبناني يدعمان الحق في الاحتجاج السلمي، فهذا حق لا يتجزأ من قيم وتاريخ كل من بلدينا، وكما قال رئيس الحكومة هذا حق تجب حمايته، وإذا تبيّن أن هناك انتهاكاً لهذا الحق، فلابدّ أن تكون هناك مساءلة".

وتابع هيل: "خلال نهاية الأسبوع، عبّر المجتمع المدني اللبناني النابض بالحياة عن إحباطه إزاء الشلل السياسي الذي أبقى لبنان أسيراً لفترة طويلة جداً"، مضيفاً: "أعدت التأكيد على دعم الولايات المتحدة القوي لجهود رئيس الحكومة للمضي قدماً في التوافق السياسي حتى تتمكّن الحكومة من العمل على العديد من القضايا الملحة".

وختم بالقول: "لدى جميع الأطياف السياسية اللبنانية مسؤولية أمام ناخبيها للعمل من أجل المصلحة الوطنية، فالمواطنون اللبنانيون يستحقون أن تكون لديهم خدمات أساسية يمكنهم الاعتماد عليها، كما يستحقون مجلساً نيابياً يتغلب على انقساماته وينتخب رئيساً للجمهورية"، مؤكداً أن "أميركا كانت وستستمر في الوقوف جنباً إلى جنب مع لبنان في مواجهة التحديات".

فض العروض... وتظاهرة السبت

أعلن وزير البيئة محمد المشنوق، بعد انتهاء اجتماع فض العروض المالية لمناقصات النفايات في مجلس الإنماء والإعمار، أمس، فوز شركة «لافاجيت» بمناقصة بيروت، و«شركة رياض الأسعد» في الشوف، و»جهاد العرب» في البقاع، و«باتكو» في الشمال، وشركة «اندفكو» في المتن، و»شركة شريف وهبي» في الجنوب.

ولفت مراقبون إلى أن العروض راعت، على ما يبدو، التركيبة الطائفية والمذهبية الغالبة في كل منطقة.

في غضون ذلك، عقدت حملة «طلعت ريحتكم» مؤتمرا صحافياً رفضت فيه هذه العروض، ودعت إلى تظاهرة السبت المقبل في مكان تحدده لاحقاً.

محمد قصير بين الحياة والموت أصيب بقنبلة مسيلة للدموع في رأسه

تبين أن الشاب الذي انتشرت صوره على مواقع التواصل الاجتماعي، وظهر مصاباً في رأسه خلال المواجهات أمس الأول وسط بيروت، هو محمد قصير من بلدة دير قانون النهر الجنوبية.

 وقصير هو طالب في الجامعة اللبنانية الأميركية، وكان من المتوقع أن ينهي دراسته الجامعية في الفصل الحالي.

وكان قصير يتدرّب في الفترة الأخيرة في شركة هندسية، ونزل للمشاركة في التحرك احتجاجاً على فساد الطبقة السياسية، فتعرض لقنبلة مسيلة للدموع أطلقتها قوات الأمن فأصابته في رأسه مباشرة.