في مسرحية ألبرتو بريخت "صعود أتوردوي" عبارة كتبها أبطال المسرحية على ورقة صغيرة وعلقها كل على صدره تقول:" لا تحدثني عن قصتك، فأنا عندي قصة!!".

Ad

هذه العبارة المختصرة لخصت معاناة الناجين من هول الحرب العالمية، وقد مل كل منهم السماع إلى وصف ما يعرفه وقاسى منه، وفيها إرادة الناجين من الحرب بعدم النظر إلى الخلف، ويؤكدون أن الحرب انقضت بكل مآسيها مخلفة جروحا ولا بد من الشفاء منها، والنظر إليها يثير البغضاء بعد أن سكتت المدافع وعلا صوت الوئام والسلام،

وهكذا تمر السنون وتتصالح الدول المتحاربة بنتيجة أهمها الاتفاق على تجريم الحروب ومن يقوم بها، وأصبحت أوروربا دولة واحدة "الاتحاد الأوروبي" وهذا ما نلفت النظر إليه بهذه المقدمة. لسنا في حاجة إلى إعادة ما هو معروف من مقومات ثابتة في تاريخنا العربي كانت ومازالت قائمة رغم أن صورتها بهتت وضاع بريقها كما حدث في فترات كثيرة عبر التاريخ، ولكنها لم تندثر ولم يجرؤ أحد على طمسها ولن يقدر.

هذه المقومات (التاريخ- اللغة- الدين- الموقع الهام- الثروات الطبيعية... إلخ)، هي التي جعلت من البلاد العربية اسما أكبر شمولا هو "الوطن العربي" عاش فيه أبناؤه يتقاسمون مر الحياة وحلوها ويقدمون من أجلها الكثير الذي ملأ كتب التاريخ أمجادا وفخارا.

بنظرة شاملة اليوم لما يجري في هذا "الوطن الكبير" نرى مشاهد غريبة وغير مسبوقة من الخصام والتحارب في البلد الواحد يتم بيد أبنائه بعد أن انقسموا شيعا وأحزابا، لا يمكن لعاقل أن يجد لها رصيدا في ثقافة الوطن إلا في عقول، تم السطو على كل خير فيها ومسحه تماما، واستبداله بفكر لا يعرف الرحمة، ولا يدري إلى أين تأخذه حماقاتهن وبات الخروج من هذا المأزق بلا مؤشرات لأننا لا نعرف من أين نبدأ!  ولو بدأنا لوجدنا تصادما عقائديا وفكريا وسياسيا بل صراعا يحرص كل طرف على إلغاء الطرف الآخر من الوجود دون تخطيط نافع ولا بصيرة لما بعد هذا الاحتراب؛ لنؤكد أن النتائج مهما كانت فإنها ليست في مصلحة "الإنسان العربي" الذي بات الآلاف منه مشردين في بلدهم أو مهجرين ولاجئين في بلاد غريبة لا يخفى أن لهذه البلدان مصلحة في تغذية هذه الحرب البشعة التي يتعرض لها "الإنسان العربي" في أكثر من بلد عربي.

ماذا ينتظر المتحاربون بتنوع عقائدهم؟ هل ستبقى نار الحرب متأججة إلى الأبد؟ أم أن الجلوس على طاولة التفاوض هو المكان الأوحد مهما طال أمد هذا الاحتراب كما حدث في الحروب العالمية أو غيرها عبر التاريخ؟! أم سيأتي يوم لا نقدر أن نحصي قتلانا والمشردين من أبنائنا، ونجد الناجين من ويلات هذا الاحتراب وقد علق كل على صدره ورقة كتب عليها: "لا تحدثني عن قصتك، فأنا عندي قصة!!"، وكأننا لا نقرأ التاريخ ولا نقيم أهمية للإنسان ولا لقدراتنا وثرواتنا التي التهمتها نيران الحروب. الشعار القائم اليوم على مدى الوطن الكبير لم يعد المناداة بالوحدة أو التكامل الاقتصادي وغيرها بل شعار يقول: "الموت وحده بالمجان، وفيماعداه يكلف!!".

* كاتب فلسطيني - كندا