خوف هنغاريا من الغرباء

نشر في 09-09-2015
آخر تحديث 09-09-2015 | 00:01
 بلومبرغ • بدا رد فعل هنغاريا تجاه أزمة اللاجئين في أوروبا أكثر تأثراً بالسياسات الشعبوية المحلية منه بالحكم الصائب، ونتيجة لذلك جاءت النتيجة صادمة ومشينة، لكن أداء الاتحاد الأوروبي ككل لا يُعتبر أفضل بكثير، وتعكس هذه المعمعة الحاجة الملحة إلى إعادة تقييم في هنغاريا لا في بودابست وحدها.

يربط رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان منذ أشهر الهجرة بمختلف أنواع الشرور، بما فيها الإرهاب، كذلك بنى سياجاً على طول الحدود مع صربيا، ونشر الجيش، ومنع اللاجئين الذين عبروا الحدود من ركوب القطارات للخروج من هنغاريا ليسمح لهم باستقلالها بعد ذلك، إلا أنه عمد في خطوة تالية إلى إقفال محطات القطار، تاركاً اللاجئين عالقين.

نتيجة لذلك أقيمت مخيمات اللاجئين في محطات القطار، مما أرغم المهاجرين على دفع المال للعصابات الإجرامية بغية تهريبهم إلى ألمانيا أو وجهات أخرى في شاحنات كتلك التي مات فيها 71 شخصاً قبل أيام على أحد الطرق النمساوية، حيث يهرب كثيرون من هؤلاء من الفظائع في سورية ودارفور، ولا يستحقون بالتأكيد معاملة مماثلة.

يستطيع أوربان الادعاء بكل تأكيد أنه يطبق قانون الاتحاد الأوروبي، فبصفته عضواً على حدود الاتحاد الأوروبي ومنطقة شنغن للسفر الخالي من الحدود الداخلية، لا يُفترض بهنغاريا أن تسمح للمهاجرين بالعبور كما يحلو لهم، فوفق قواعد الاتحاد الأوروبي، على طالبي اللجوء التسجل في البلد الأول الذي يدخلون منه إلى الاتحاد الأوروبي. فإن انتقل اللاجئون المسجلون في هنغاريا إلى دولة أخرى ورُفض طلب لجوئهم، فقد يُرحلون إلى البلد الذي دخلوا منه إلى الاتحاد الأوروبي: هنغاريا.

لكن أوربان لا يحاول في الواقع تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي بدقة، فهو شعبوي يكره بشدة بروكسل وكل ما تمثله، وقد أعلن أن الهنغاريين لا يريدون المهاجرين، بل يرغبون في "الحفاظ على هنغاريا هنغارية"، وتلاقي هذه الفكرة الترحيب، وتحول دون تفوق حزب جوبيك اليميني المتطرف على حكومته.

علاوة على ذلك لا تعاني هنغاريا مشكلة مهاجرين، باستثناء الفوضى التي زادتها سياسات أوربان، فعدد اللاجئين الذين يدخلون البلد للبقاء فيه قليل، إن لم يكن معدوماً، فضلاً عن أن هنغاريا لا تضم الكثير من المهاجرين المستقرين فيها، ورغم ذلك لا يُعتبر أوربان الوحيد الذي يحاول تعزيز المشاعر الوطنية، فقد تبنت دول أخرى في أوروبا الشرقية، بما فيها الجمهورية التشيكية، وبولندا، وسلوفاكيا، موقفاً متشدداً من قبول اللاجئين، مصرة على ضرورة أن يكونوا قلائل ومسيحيين، وفي الوقت عينه تصر حكومات هذه الدول على حق مواطنيها بالهجرة إلى ألمانيا، والمملكة المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى الأكثر ثراء.

لهذه الزيادة الحادة في عدد اللاجئين الذين توجهوا إلى أوروبا هذه السنة حل واحد لا غير: يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى نظام يوزع بإنصاف طالبي اللجوء في مختلف أرجاء الاتحاد، كما اقترحت المفوضية الأوروبية، فتسجل الأمم الحدودية، مثل هنغاريا، وصولهم، وترسلهم كلهم إلى دول أخرى، باستثناء الحصة المحددة لها.

يبقى البديل الوحيد لرد الفعل المنظم تنامي الحركة الشعبوية وتفاقم الفوضى، وقد يشكل هذا خطراً حقيقياً يهدد منطقة شنغن خصوصاً (تؤكد إيطاليا اليوم أنها تعيد مؤقتاً فرض الضوابط على المعابر التي تربطها بدولة منطقة شنغن الأخرى، والنمسا، وذلك بطلب من ألمانيا) والاتحاد الأوروبي عموماً، وإذا أرادت هنغاريا والدول الحدودية الأخرى أن تتنقل شعوبها وتعمل بحرية في مختلف أرجاء القارة، وإذا رغبت في الحصول على مساعدات سخية من الدول الأكثر ثراء، فعليها أن تحمل جزءها من عبء اللاجئين، الذي يقع اليوم بالكامل على عاتق ألمانيا وعدد قليل من الدول الأخرى.

قد ينجح الخوف من الغرباء كسياسة محلية ذكية لبعض الوقت، إلا أن كلفته ستكون عالية فتزداد معاناة اللاجئين سوءاً، وتتعرض حياة كثيرين للخطر، وتضغف الروابط التي توحد الاتحاد الأوروبي في النهاية.

back to top