من أين يأتي الإرهاب؟!
لا يمكن للإرهاب أن ينتهي أو يحجّم، إذا كانت هناك روافد عديدة في مجتمعاتنا تغذيه وتنميه وتمده بعناصر البقاء والنماء، ومن هذه الروافد التي تغذي التطرف: التنشئة العدوانية، وغرس الكراهية، وتجنيد الأطفال، والتجنيد الإلكتروني.
بالرغم من كل الجهود المبذولة؛ أمنياً وإعلامياً وفكرياً، وعلى كل المستويات؛ المحلية والإقليمية والدولية، وعلى امتداد (15) عاماً، في مكافحة الإرهاب، والعمل على حماية المجتمعات والشباب من أمراض التطرف والكراهية، فإن الإرهاب ينمو وينتشر ويعبر حدود المجتمعات والأوطان والقارات، ويفتك بالشباب- أشبه بالوباء المنتشر- بتجنيدهم لمخططاته العدوانية.لماذا يحيا الإرهاب وينتعش؟! ولماذا لم تفلح الجهود المحلية والدولية في القضاء عليه، أو الحد منه؟! ولماذا كلما تم إجهاض خلية إرهابية ظهرت أخرى؟ ولماذا كلما تمت تصفية قائمة بمطلوبين إرهابيين فرخت قائمة جديدة أخرى؟ ومن أين يأتي الإرهاب؟! ولماذا يستمر؟ لعلنا نجد إجابة واضحة في بيت الشاعر بشار بن برد:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدملا يمكن للإرهاب أن ينتهي أو يحجم، إذا كانت هناك روافد عديدة في مجتمعاتنا تغذيه وتنميه وتمده بعناصر البقاء والنماء. ومن هذه الروافد التي تغذي التطرف: 1- التنشئة العدوانية:معظم الإرهابيين أصحاب نفسيات قلقة، متوترة، بائسة، عانت عذابات الطفولة التعيسة، وقاست خبرات تنشئة مبكرة مؤلمة، كل هؤلاء الإرهابيون أتوا من "بيوت مفككة" افتقدت دفء الحنان والعطف والتماسك الأُسَري والمودة والرحمة، بسبب أب مزواج، يعدد فلا يعدل، ولا يحسن التربية ولا يحبب أولاده في الحياة والنَّاس، أو بسبب أب قاس انتزعت الرحمة من قلبه.لقد تأملت طويلاً في حياة هؤلاء الذين يفجرون أنفسهم في الأبرياء، حتى في بيوت الله تعالى التي لم تسلم من عدوانهم، فوجدت أكثرهم خريجي بيوت بائسة، كما تأملت حياة الشعوب المختلفة، ووجدت أن الشعوب المقبلة على الحياة والحب والعمل والإنتاج والاكتشاف والمنشغلة بإسعاد البشرية، لا تنتج إرهابيين مفجرين أبداً، أما الشعوب المحبطة المنشغلة بالصراعات الطائفية والعنصرية والطبقية واتهامات التكفير والتخوين، والمتوجسة من أوهام الغزو والتآمر والاستهداف، فهي التي تنتج قنابل بشرية لا تقيم وزناً للحياة والأحياء. 2- غرس الكراهية: هناك في مدارسنا وفي جامعاتنا من يبث روح الكراهية في نفوس الطلاب والنشء، ويحرض على عدم قبول الآخر لأنه ليس من دينه أو مذهبه أو قبيلته، هؤلاء مربون وأساتذة جامعيون، تقول الكاتبة السعودية أمل عبدالعزيز الهزاني في مقالتها القيمة (احموا أوطانكم): "كلما تعقبت حساب مغرد، يبث الكراهية والتحريض ضد الآخرين على "تويتر" أجده أستاذاً جامعياً أو باحثاً يسبق اسمه حرف الدال... إن كان الطالب الشاب يقرأ لأستاذه الذي يراه القدوة والمثل الأعلى، لغة عنصرية طائفية، أو بذيئة طعانة لعانة، فماذا ننتظر منه غير اللحاق بركب الضلال؟... جيل الشباب يتعرض اليوم لشر مستطير، تعرض عليه يومياً، معلومات مغلوطة أو تأويلات مسمومة لتشكل قناعاته وفق أيديولوجيا منحرفة، لذلك لم ننفك نعاني الإرهاب منذ حادثة احتلال الحرم من المتطرف جهيمان قي السبعينيات الماضية وحتى اليوم"."الكراهية" مرض يميت القلب ويغلق العقل ويعمي البصر ويعطل الإحساس. 3- تجنيد الأطفال:وفقاً لجماعات حقوق الإنسان وعمال الإغاثة وممثلي اليونيسيف في اليمن، فإن الأطفال دون 18 عاماً، يشكلون نحو ثلث قوات المتمردين الحوثيين، المقدر عددهم بنحو 25 ألف مقاتل، هؤلاء الأطفال يشاركون الكبار في جرائم القتل والدمار، في مقابل ما يقدم لهم من المال ووجبات الطعام، حتى إن عائلاتهم باتت تعتمد على الأموال المقدمة لأطفالهم فيرفضون عودتهم من القتال، تَرَكُوا مدارسهم وأغلقت؛ مما عزز من انتشار تجنيد الأطفال، ولا يقتصر هذا التجنيد على الحوثيين فحسب، كذلك تفعل "القاعدة" وغيرها من الفصائل المتحاربة، وما يحصل في اليمن يحصل مثله على يد "داعش" وأخواته من التنظيمات المتطرفة، في العراق وسورية وليبيا والصومال ونيجيريا وأفغانستان وباكستان... إلخ. من ينجُ من القتل من هؤلاء الأطفال المجندين يشكل مدداً مستمراً للتنظيمات الإرهابية، هؤلاء جيوش الإرهاب القادمون! 4- التجنيد الإلكتروني: هناك "20" ألف إلكتروني لاصطياد الشباب، و95% من المغرر بهم، يتم عن طريق المواقع الإلكترونية طبقاً للباحث الأمني السعودي محمد الهدلاء، كل هذه المواقع تزرع الكراهية في عقول ونفوس غضة، تجاه الآخر الديني والمذهبي وتجاه الآخر الغربي، الموصوف في خطابنا الديني الذي يتردد عبر المنابر الدينية، بالمادي والصليبي والحاقد على الإسلام والمسلمين، والمتربص بهم دائماً، بهدف غزوهم فكرياً ودينياً وعسكرياً، لإخضاعهم والهيمنة على مقدراتهم.ختاماً: فهذه أبرز الروافد التي تغذي مستنقع الكراهية وتعمل على توسيعه، يوماً بعد يوم، ضماناً لاستمرار الفكر الإرهابي، وجذباً لمزيد من شبابنا المضلل إلى صفوفه ومشاريعه العدوانية، سيستمر المد الإرهابي في اكتساح وهدم وتدمير كل القيم والمبادئ والمقدسات والأخلاقيات والثوابت الراسخة في مجتمعاتنا عبر (14) قرناً، ما لم نواجهه باستراتيجية وطنية شاملة، تجفف روافد الكراهية ومستنقعاتها وتتصدى لمنابر الكراهية وحراسها. من أين يأتي الإرهاب؟ يأتي من عندنا، من أوضاعنا، من بيئاتنا لا من خارجها، وهؤلاء الذين فضلوا الموت على الحياة هم أبناؤنا الذين أخفقنا في تحبيبهم في الحياة وإعمار الأرض، فزين لهم حراس الكراهية حب الموت، وإفناء الذات. * كاتب قطري