الحب ليس ترف قلب خالٍ من الهموم، وهو أيضاً ليس حيلة عقل للهروب منها! الحب ليس رفاهية نبحث عنها في منتجع العمر، كامتلاك طائرة خاصة، أو رحلة "كروز"، أو تناول وجبة عشاء في مطعم هادئ في مدينة "كورتينا" الإيطالية على ضوء الشموع وكأس نبيذ!

Ad

هو ليس مغامرة يقوم بها الذين يظنون في أنفسهم القدرة، كالتخييم على قمة "إيفرست"،أو الهبوط بمظلة من مروحية تحلّق في أعالي الجو، أو الغوص في أعماق المحيطات والسباحة مع الحيتان!

هو ليس أغنية يغنّيها القلب لطرد الوحشة عنه، الحب ليس متعة من مُتع الحياة، إنه أسلوب حياة نتعلّم منه كيف نستمتع بما لدينا وإن كان قليلاً رغم أنف قسوة الحياة!

أولئك الذين يسخّفون الحب ويستهزئون به، ويصوّرونه على أنه حالة انفصام عن الواقع، في ظل هذا البؤس الذي يتفاقم في العالم وينتشر كطفح الجدري على وجهه حتى غدا بهذا القبح، وهذه الحروب والمجازر، وصراعات المصالح، والقتل بالمجّان!

أولئك الذين يمطّون شفاهم السفلية ويرمون بوجهك أسئلتهم بازدراء: أي حب تتحدّث عنه وهناك ما يقارب (1،1) مليار جائع على سطح الأرض؟!

وهناك ما يقارب (40) ألف شخص يموتون يومياً من الجوع؟!

كيف "تتمطّع" بالحديث عن الحب وقضايانا القومية والوطنية على صفيح ملتهب، وشهداء الأمة لا تجف دماؤهم عن الثرى في كل يوم؟!

إن أولئك الذين يزايدون بإنسانيتهم على إنسانية من يحب ليسوا سوى أفاقين، يدارون عجزهم العاطفي وصلف مشاعرهم، فكما أن هناك إعاقة عقلية وأخرى جسدية، هناك أيضاً إعاقة عاطفية وهي أسوأ أنواع الإعاقة!

فالعاجز عن حب إنسان واحد لن يقنع أحداً بقدرته على حب الإنسانية جمعاء! والذي لا يستطيع أن يحتوي قلبَ آخر لا يمكنه أن ينزف لقلوب الناس جميعاً.

كل الشعارات التي رُفعت لتحسين الحياة وتجميل وجه العالم وإيجاد الحلول لمشكلاته هي السبب فيما نراه الآن من قبح في ذلك الوجه الدميم، ابتداء من أكثر الشعارات سموّاً وأقصد شعار "الدين هو الحل"، الذي ارتكبت تحت رايته أبشع المجازر الدينية والمذهبية والطائفية إلى أكثر الشعارات دونية، كلها لم تنتج في حياتنا سوى مزيد من الشقاء، شعار واحد لم يتبنّه الناس بإيمان صادق وتدافع عنه بيقين ثابت وهو شعار الحب، علماً بأن جميع الأديان السماوية وغير السماوية أعلت قيمته وشددت على أهميته، بل إن الإسلام مثلاً جعله شرطاً للإيمان!

الحب حتى لو لشخص واحد يدرّب النفس البشرية الأنانية بفطرتها على أن تحب "لآخر" ما تحب لذاتها، وأن تفعل كل ما يلزم للعيش بسلام معه، وأن تتغاضى عمّا تعتقد أنه من حقها من أجل حياة سعيدة تجمعها بمن تحب، وهو يدرّب النفس البشرية الطماعة بطبيعتها بأن تقنع بالقليل من "آخر" حتى لا تخسر الكثير منه، أليست صراعاتنا الإنسانية كلها على المستوى الفردي أو الجماعي تتمحور في الطمع والإنانية؟! لو انتزعت هاتان الصفتان من بني الإنسان لاختصرنا كثيراً من الظلم، ولا أظن أن هناك وسيلة أنجع من الحب لتطهير بني الإنسان منهما.

الحب ليس اختيار من استطاع إليه سبيلاً، إنه الوسيلة الوحيدة لطرد الشياطين من روحنا الإنسانية! إنه تدريب شاق ومضني لأنسنة الإنسان!