كانت البنوك السبب الرئيسي في سوء الطالع الذي أصاب القطاعين الاقتصادي والمالي في اليونان هذه السنة، مع فوز حزب سيريزا اليساري الراديكالي في الانتخابات النيابية الأخيرة، ومن ثم انخراطه في صراع مرير مع الدائنين الدوليين لبلاده، وقد نضبت إيداعات تلك البنوك نتيجة المخاوف من خروج اليونان من منطقة اليورو ما سوف يدفع البلاد الى العودة الى العملة المحلية (الدراخما) مع ما ينطوي عليه ذلك من خسائر فادحة تلحق بالمودعين.

Ad

وقد تفاقمت متاعب البنوك عندما رفض البنك المركزي الأوروبي تزويد تلك البنوك بمزيد من السيولة النقدية واضطرت حكومة أثينا نتيجة لذلك الى اغلاق البنوك ثلاثة أسابيع خلال فصل الصيف الماضي وإلى فرض رقابة على رأس المال، ولكن اليونان تمكنت في نهاية المطاف من تدبير عملية إنقاذ ثالثة والبقاء في منطقة اليورو – وعلى الرغم من ذلك تبدو التداعيات التي تكبدتها البنوك مدمرة ومؤلمة إلى حد كبير.

نتائج صفقة الإنقاذ

ونتيجة لصفقة الإنقاذ المالي من جانب آلية الاستقرار المركزي الأوروبية (صندوق الإنقاذ في منطقة اليورو) والتي بلغت 86 مليار يورو ( 94 مليار دولار) فقد اشتملت على سقف يصل إلى 25 مليار يورو، أو 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من اعادة رسملة البنوك وتشغيلها، وسوف يتحدد المبلغ الصحيح في هذه العملية بمجرد انتهاء المشرفين من مراجعة سجلاتهم.

وكان على البنك المركزي الأوروبي، الذي أشرف بصورة مباشرة على البنوك الكبرى في منطقة اليورو في العام الماضي، مراجعة وتدقيق أوضاع البنوك الأربعة الرئيسية في اليونان، وهي: بنك ألفا ويوروبنك والبنك الوطني اليوناني وبنك بيراوس، كما كان على البنك المركزي في اليونان استعراض وضع بنك أتيكا الأصغر حجماً.

وقام المشرفون بتقييم الأصول الموجودة في البنوك حتى نهاية شهر يونيو الماضي من أجل معرفة عدد القروض المتعثرة نتيجة أداء الاقتصاد في عهد حزب سيريزا، كما عمدوا الى قياس مرونة البنوك في اختبارات الجهد التي كانت تحاكي تأثيرات ركود أكثر سوءاً في 2015 – 2017 وبقدر يفوق توقعات اللجنة الأوروبية في وقت سابق. وكانت اللجنة الأوروبية تصورت حدوث هبوط في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3 في المئة خلال العام الحالي، وبنسبة 1.3 في المئة في العام المقبل، قبل أن يحقق ذلك الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 2.7 في المئة في عام 2017..

وبموجب "السيناريو المعاكس" للمشرفين، فإن الناتج المحلي الإجمالي سيصل في سنة 2017 إلى 5.9 في المئة أقل من توقعات "خط الأساس" الذي طرحته اللجنة الأوروبية من قبل.

الحصيلة العملية للمراجعة

الحصيلة التي توصل المشرفون إليها، والتي نشرت في 31 أكتوبر الماضي، كانت واقعية ومتروية، ولكنها كانت أقل سوءاً من توقعات فصل الصيف الفائت، ومن أجل الحفاظ على نسبة رأس المال التي تبلغ 8 في المئة من الأصول الخطيرة المتوقعة في نهاية سنة 2017 بموجب السيناريو المعاكس سوف تطلب البنوك ضخ ما يصل الى 14.4 مليار يورو، منها 2.1 مليار يورو إلى يوروبنك، و4.9 مليارات إلى بنك بيراوس، بينما سيحتاج بنك أتيكا الى مليار يورو فقط، وذلك يعني أن وضع النظام المصرفي على أساس سليم سيتطلب بشكل اجمالي توفير 15.4 مليار يورو لا 25 مليار يورو كما كان مفترضاً في الأصل.

والأكثر من ذلك، أن المبلغ المطلوب من أموال الانقاذ عن طريق آلية الاستقرار الأوروبية والتي سوف يتم تقديمها من قبل صندوق الاستقرار المالي في اليونان يجب أن يكون أقل من ذلك أيضاً، كما أن البنك المركزي الأوروبي يتوقع أن تقدم المصادر الخاصة ما لا يقل عن 4.4 مليارات يورو الى البنوك الأربعة الرئيسية السالفة الذكر، وهو نقص في رأس المال بموجب سيناريو خط الأساس.

وفي حقيقة الأمر فإن على تلك البنوك الأربعة جمع مبالغ أكثر من ذلك، وعلى سبيل المثال فإن بنك اليونان الوطني يخطط من أجل بيع "فينانسبنك" وهو فرعه في تركيا، والذي يتوقع أن يوفر حوالي 3 مليارات يورو، ويقابل ذلك مجموع نقص بالنسبة الى البنك الوطني اليوناني بموجب السيناريو المعاكس يصل الى 4.6 مليارات يورو.

موقف الدائنين

وإضافة إلى ذلك، فإن أي لجوء الى صندوق الاستقرار المالي اليوناني سوف يدفع شريحة الدائنين الى التحرك نحو عملية انقاذ داخلية ما يعني أن عليهم المساهمة في خطة اعادة الرسملة، وسوف يتم استبعاد المودعين ولكن لدى البنوك في الوقت الراهن حوالي 6 مليارات يورو من الأسهم المفضلة والديون التي يمكن أن تسهم في هذه العملية، بحسب نونداس نيكوليدس في وكالة التصنيف الائتماني موديز.

ثم إن الخطر الذي يخيم على مثل اولئك الدائنين، وهذا يشمل كبار حملة السندات، سوف يسمح للبنوك بعقد صفقات قوية مع تلك الأطراف عندما تعرض مبادلة السندات بأسهم، وعلى سبيل المثال فإن بنك ألفا قد يتمكن من الحصول على حوالي مليار يورو عن طريق مثل هذه الصفقات وذلك من أصل اجمالي يبلغ 2.7 مليار يورو هو في حاجة اليه.

وقد تعرض المستثمرون إلى سنة صعبة وقاسية، ولكن بالنسبة الى المغامرين منهم توجد فرصة للمقامرة، وربما أثار الخطر السياسي حسابات مالية في وقت سابق من هذه السنة ولكن ذلك يبدو أقل تهديداً في الوقت الراهن، وقد تعلم رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس الدرس بالطريقة القاسية وأدرك أن دائني اليونان يملكون الأوراق الضاغطة. وتجدر الإشارة الى أن جناح اليسار المتشدد في حزب سيريزا انسلخ عنه قبل الانتخابات الأخيرة في شهر سبتمبر الماضي وحصل تسيبراس على تفويض جديد مبني على بيان سياسي أكثر اعتدالاً.

 البنوك

وبالنسبة الى البنوك فقد كانت قبل أزمة اليورو أحد العناصر الأكثر فاعلية والأفضل أداء في الاقتصاد اليوناني الذي تعثر نتيجة سوء الادارة المالية والحسابات السياسية الخاطئة، وفي حقيقة الأمر فإن البنوك قد تجد أن من الأسهل أن تتمكن من استعادة ثقة المستثمرين الدوليين بقدر يفوق قدرتها على استعادة ثقة المودعين المحليين الذين يحتمل ان يظلوا حذرين ازاء تلك البنوك الى أن يشعروا بمزيد من الثقة حول مستقبل اليونان في الأجل الطويل ضمن منطقة اليورو.