منظور آخر: هيبة الموت

نشر في 27-12-2015
آخر تحديث 27-12-2015 | 00:01
 أروى الوقيان يعلمنا الموت الكثير أثناء الحياة، يعلمنا كيف نقدّر أبسط النعم، فيؤدبنا بطريقة أو بأخرى، ويجعلنا نظهر محبتنا لمن نحب لأننا لا نعلم متى سنفقدهم، يعلمنا أن نستمتع بتفاصيل الحياة، بتذوق الجمال ونشر الخير.

رغم مأساة الموت، لا سيما أنه يشكل الهاجس الأكبر لدينا كلنا أثناء الحياة، وذلك لأننا لا نعلم توقيته، وكيف سيخطفنا وفي أي عمر سنرحل، ورغم أن الغموض الذي يدور حول الموت يجعله مهيباً، ورغم ذلك كله فإنني أستغرب من أولئك الذين يكابرون ويتكبرون على الموت ويتشمتون بالموتى بكل وقاحة.

لعل وفاة نائب مجلس الأمة الكويتي نبيل الفضل، رحمه الله، أثارت ردود أفعال متباينة لطالما استغربتها، ففي حال سماعي خبر وفاة أي شخص معروف أجد دوما هناك فريقاً يستهزئ ويتشمت بالموت، وكأن الموت عقاب لا قدر علينا جميعا، وكأن الموت لا يختار إلا الأشرار، وكأنه طريقة للتعبير عن الكراهية!

للموت هيبة تعلمك احترام البشر والحياة، وقبلها احترام إرادة الله وقدره ومشيئته، أولئك الشامتون لا يعلمون كيف ستوافيهم المنية، لكن وجودهم على قيد الحياة يجعلهم يظنون وكأنهم هم الفريق الفائز في الحياة، هناك من ينظر لخصمه بحقد وتشفٍّ دون أن يتعلم ماهية المنافسة الشريفة، واحترام الخصم ومواجهته بشرف وهو على قيد الحياة وليس بدناءة حين يموت.

الأموات ينتقلون إلى عالم آخر يبدو أكثر سلاما من هذه الحياة التي يتطاحن فيها البشر الذين يدنسون شرفهم من أجل المادة، ويتصنعون مبادئ لا يمتلكونها، ويعادون الآخر إن كان مختلفا معهم، وإن من يرحل إلى دار الآخرة يرحل إلى ربه الرحيم العطوف بالبشر، ومن يبقى سيظل يعافر في حياة أغلب ما فيها غير منطقي وحيواني وبشع أحيانا كالحرب والقتل وسفك الأرواح.

أن نبقى على قيد الحياة أمر ليس باختياريا، وحين نموت أمر غير اختياري أيضاً، فكيف لك يا عبد أن تتبجح بشيء أنت لم تختره، إنها مشيئة الله ولا تملك سوى أن تقبل بها.

فالدين يعلمك ألا تذكر سوى محاسن الموتى لا التشهير بأجساد وأرواح ما إن ترقد تحت التراب حتى تحاول بكل ما أوتيت من قوة تشويهها، أولئك الشامتون من أصحاب اللحى أليس من باب أولى أن يحترموا لحاهم، واحترام مظاهر الدين التي حرصوا على إبرازها في حين لم يتمتعوا حتى بأخلاقه؟

روح الدين أهم من مظاهره، فلم يعلمنا الإسلام سوى التسامح، ولكن لم نر من مدعي التدين سوى الحقد والغل وكل ما هو ضد تعاليم ديننا الحنيف.

قفلة:

يسهل على الجميع تكفير أي ممارسة من ممارسات أي دين أو مذهب أو عقيدة، الكل يعتبر نفسه القاضي والجلاد، والكل يعطي نفسه صفة المفتي، في حين أن الدين لم يمنعنا من احترام الأديان الأخرى، فكل عام وإخوتنا المسيحيون بخير وأعياد مباركة، وأتمنى سنة جديدة مليئة بالتسامح على الجميع.

back to top