فلسطين إلى أين؟!

نشر في 17-11-2015
آخر تحديث 17-11-2015 | 00:01
 د. عبدالمالك خلف التميمي كيف يستطيع الإنسان أن يكتب عن أكبر وأخطر قضية في العالم في مقال بصحيفة يومية؟! كان هذا السؤال يراودني ويحيرني، لكن هناك إشكالية تدفع للكتابة في الموضوع، هي أنه يستحيل إزالة إسرائيل وعودة فلسطين، فما مصير الشعب الفلسطيني؟ وللإجابة عن السؤال لابد من استعراض مسيرة هذه القضية تاريخياً، والوقوف عند أهم محطاتها.

لقد صدر الوعد البريطاني للحركة الصهيونية عام 1917م بالموافقة على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ومساعدة بريطانيا لتحقيق ذلك الهدف. صدر ذلك الوعد أثناء الحرب العالمية الأولى بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين، وفي ظل ظروف السيطرة الاستعمارية البريطانية والفرنسية على الوطن العربي، وكذلك في ظل تخلف العرب وضعفهم، وحدث أن قامت الحركة الصهيونية في ظل الانتداب البريطاني (1920- 1948) بإقامة الوقائع على الأرض التي تمهد لقيام إسرائيل، حيث تم التركيز على الهجرة والاستيطان الصهيوني لفلسطين بمساعدة السلطات البريطانية، وأصبح ذلك العمود الفقري لتحقيق المشروع الصهيوني، ثم إنشاء الصندوق القومي الصهيوني في منتصف العشرينيات من القرن العشرين لدعم الهجرة والاستيطان بمعدل 30 ألفاً من المهاجرين سنوياً بمساعدة بريطانية. وبدأت بهجرة يهود أوروبا الشرقية، ولاسيما المزارعين في البداية، لأنهم الأكثر تمسكاً بالأرض ثم اليهود الأوروبيين الغربيين من التجار والمتعلمين ثم يهود الدول العربية وغيرها، ثم شرعت الحركة الصهيونية في إقامة مشاريع أخرى، على الأرض الفلسطينية في ظل الانتداب البريطاني، مثل مشروع الجامعة العبرية ومحطة الكهرباء، وتكوين ميليشيات مسلحة، وحاول الفلسطينيون والعرب مواجهة الهجرة والاستيطان في تلك الفترة، ولكنهم لم يستطيعوا فعل شيء إيجابي لمنعها.

طرحت بريطانيا مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وإسرائيلية عام 1947 في ظل توتر عربي وقلق بعد الحرب العالمية الأولى وقيام الجامعة العربية، ورفض العرب واليهود مشروع التقسيم وقامت الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1948، وخسر العرب الحرب، وتمكنت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا من إعلان قيام دولة إسرائيل، وبدأ تهجير وتشتيت الشعب الفلسطيني، وانشغل الفلسطينيون والعرب بمسألة الهجرة الفلسطينية في المرحلة التالية، وشيئاً فشيئاً تقوى وتثبت إسرائيل بدعم أميركي منذ قيامها، فقد بدأ النفوذ الأميركي يقوى تدريجياً في الشرق الأوسط بعد أفول نجم الاستعمار البريطاني وانتقال مقر الحركة الصهيونية من لندن إلى واشنطن. وبدا الدعم الصهيوني الأميركي المادي والسياسي لإسرائيل.

 وفي المقابل، كانت ردود الفعل العربية أولاً أن الأنظمة العربية جيرت قضية فلسطين لصالحها سياسياً، واستمر ذلك حتى حرب 1967م عندما حدثت هزيمة النظام العربي والتيار القومي، واكتشف الفلسطينيون والعرب أنهم يسيرون في طريق مظلم، وكان لابد من تحول في الموقف، فقرر الفلسطينيون المقاومة لتحرير أرضهم المحتلة، وانقسموا بين من يريد تحرير فلسطين كاملة وتحرير الأرض المحتلة عام 1967م، وقدمت المقاومة الفلسطينية التضحيات، ولكنها لم تتمكن من تحقيق انتصارات لظروف موضوعية صعبة، وطرحت مسألة السلام بين العرب وإسرائيل بزعامة أميركا واستمرت في العقود التالية حتى اليوم دون أن يحقق العرب أي مكسب له أهميته على المستوى الفلسطيني أو غيره، ولسنا بصدد إثارة أسئلة أو محاولة الإجابة عنها، مثل: لماذا تدعم أميركا إسرائيل على حساب العرب؟ ولماذا لم تحارب "القاعدة" إسرائيل؟ ولماذا لم تتوحد المنظمات الفلسطينية في جبهة واحدة وهدف واحد؟ إلخ... فإن دور المثقفين اليوم هو بلورة الرؤية تجاه هذه القضية.

ماذا عن الحاضر والمستقبل؟

بعد هذا العرض لمسيرة الشعب الفلسطيني وقضيته ماذا يمكن القول؟ اليوم إسرائيل دولة معترف بها عالمياً، وعدد سكانها 6 ملايين إنسان في حاضنة يهودية تقدر بخمسة وعشرين مليوناً، مع دعم أميركي وغير أميركي، بحيث أصبحت واقعاً لا يمكن إزالته، والفلسطينيون بلا دولة، وعددهم كذلك حوالي 6 ملايين إنسان بحاضنة عربية تقدر بثلاثمئة مليون إنسان وغيرهم في العالم، والفلسطينيون مشتتون في الأرض ثلثهم على الأرض الفلسطينية.

السؤال: ما هو الواقع اليوم، وما هي الرؤية الاستراتيجية تجاه هذه القضية؟ ويمكن بهذا الصدد القول:

أولاً: إن إسرائيل دولة وواقع يستحيل إزالته وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 1948م.

ثانياً: إن الأوضاع العربية القائمة تشهد حروباً أهلية وصراعاً إثنياً بعيداً عن قضية فلسطين.

ثالثاً: إن الخلافات الفلسطينية لا يمكن أن تصل إلى وحدة وطنية لديها إستراتيجية واحدة وهدف واحد تجاه قضية فلسطين.

رابعاً: عن الحل الممكن لهذه القضية، هو تحديد الهدف بإقامة دولة على الأراضي المحتلة عام 1967م، أما قضية إزالة إسرائيل فهذا من المستحيلات والذي كان صعباً وممكناً قبل ذلك.

خامساً: على الفلسطينيين والعرب أن يستفيدوا من تجربة الحركة الصهيونية ودراستها بعناية، ثم الاستفادة من تجاربهم التاريخية بحيث يكون دور الفلسطينيين هو المحوري والأساسي، ودور العرب والمسلمين مساعدتهم في قضيتهم، وعلى التيارات الفلسطينية والعربية السياسية أن تحدد هدفها وأسلوب عملها، ولا تلهث وراء سراب السلام الذي تجني منه إسرائيل المكاسب، ويخسر العرب الأرض والموارد من جراء ذلك النهج.

back to top