بينما وافق مجلس الأمة على تعديل قانون الأحداث بخفض سن الأحداث الخاضعين للقانون حتى سن الـ 16 عاما بدلا من الـ18 عاما، ثارت التساؤلات عن أسباب تفاوت الأعمار في القوانين الكويتية المحددة للمسؤوليات الجزائية والمدنية والوطنية وممارسة بعض الحقوق كأداء الخدمة العسكرية وحق الانتخاب وحق العمل.

Ad

رغم أن تلك التساؤلات ظهرت بمناسبة اعتماد مجلس الأمة في المداولة الأولى على خفض سن الأحداث الى الـ16 عاما بدلا من الـ18 عاما، إلا أنها أجمعت على ضرورة توحيد الأعمار الواردة في تلك القوانين المختلفة، كما انتقد عدد من خبراء القانون في تصريحات لـ»الجريدة» في عدة تخصصات قانونية مختلفة تسرع مجلس الأمة على خطوة خفض سن الأحداث الى 16 عاما، بدلا من الـ18، من دون أن يصاحب ذلك أي دراسات أو بيان الأسباب الحقيقية المبررة لذلك التعديل، أو دراسة العواقب التي قد تنتج من جراء خفض سن الأحداث الى الـ16 عاما.

توحيد الحلول

إلى ذلك يقول الخبير الدستوري، أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت، د. محمد الفيلي، إنه يلزم أن ينطلق التشريع من رؤية واضحة، والأصل توحيد الحلول ما لم يكن لتباينها مبرر منطقي، لافتا الى أن سن الأهلية الجنائية حاليا الأصل فيه 18 عاما، وهو في بعض الأحيان 21 عاما (الإناث في أحوال معينة) وسن الأهلية المدنية 21، وسن أهلية الانتخاب السياسي والبلدي 21.

ويضيف الفيلي: «ونلاحظ أن اتفاقية حقوق الطفل تعتبر أن الأصل أن قواعدها تنطبق على الإنسان إلى 18 عاما، ما لم يختر المشرع سنا أخرى، موضحا أن النزول بسن الأهلية الجنائية بتشريع خاص مع بقاء سن الأهلية المدنية والسياسية ثابتا يجعلنا أمام تباين في الحلول دون تبرير حقيقي، فالإنسان في السادسة عشرة مفترض نضج فكره وكمال إدراكه، وبالتالي هو يتحمل المسؤولية بشكل كامل عن سلوكه الإجرامي بينما في تصرفاته المدنية وفي اختياره السياسي هذه الفرضية غير قائمة.

ويوضح أن ذلك يشير الى ملاحظتين، هما أن عدم الاتساق بين سن المسؤولية الجنائية والرشد المدني والسياسي كان موجودا، ولكنه سيزداد في المدى إن تم التعديل، وثانيا أن مثل هذا التعديل يقود منطقيا إلى تعديلات أخرى، مثل تخفيض السن اللازمة للسماح بقيادة السيارة، فمن هو مسؤول جنائيا بشكل كامل عن أفعاله من المنطقي أن يسمح له بعدد من التصرفات.

ويختم الفيلي حديثه قائلا: أظن أن مثل هذا التعديل يجب أن يدرس بشكل شمولي، لما له من تبعات كثيرة تجب دراستها وتداركها قبل اتخاذ قرار تخفيض سن الحدث بشأن مسؤوليته الجزائية.

تناقض غير مبرر

بينما يقول أستاذ القانون المدني في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فايز الكندري، إن المشرع الكويتي مطالب بمراجعة جميع الأعمار الواردة في التشريعات الكويتية، لما تحمله من تناقض غير مبرر، لأن المشرع يسمح لمن هو في سن 18 عاماً بالتصرف قانوناً، لكنه لا يستطيع الانتخاب إلا في سن 21، وفي سن 17 عاماً يتزوج وله أن يعمل في سن 15 عاماً، وفي المقابل، لا يستطيع أن يفتح له حساباً بنكياً حتى سن 19 عاماً إلا عن طريق والده.

ويؤكد الكندري أن مثل هذا التناقض سببه غياب الرؤية التشريعية بسبب عدم توحيد السن القانوني، الذي يعبر عن إرادة الشخص ونضجه ويسمح له باتخاذ التصرفات القانونية، وتحمّل المسؤولية القانونية بذات الوقت، وهذا التناقض سببه سياسة «القص واللصق» في وضع التشريعات البعيدة عن الدراسات، موضحاً أن التأني في دراسة النتائج والعواقب من قبل الخبراء والمتخصصين الذين يملكون دوراً إرشادياً، قد يساعد في المساهمة بخروج التشريعات بشكل جيد، علاوة على ضرورة الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، وفلسفة تلك التشريعات التي صدرت ووجاهة الأسباب التي تم الاستناد إليها في تلك الدول مع النظر إلى الاعتبارات التي يعيشها المجتمع الكويتي.

ويوضح الكندري أن على المشرع وضع حد للفوضى التشريعية، وأن يعمل على توحيد السن القانوني بأن يكون 18 عاماً، على سبيل المثال هو السن الموحد لجميع حالات المسؤولية والأهلية والانتخاب.

وعن رأيه في التعديل التشريعي لقانون الأحداث بخفض سن الحدث، قال الكندري، إن على المشرع الكويتي عدم التسرع في أمور خفض سن الحدث إلى 16 عاماً، وعليه التأني في دراسة العواقب التي قد تترتب في خفض سن الحدث وبحث الأسباب والعوامل والمبررات لأسباب الخفض.

عواقب سيئة

بدوره، يشدد أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فايز الظفيري على ضرورة دراسة المشرع الكويتي لمسألة خفض سن الحدث في الكويت إلى 16 عاماً، والتبعات التي قد تحدث قبل إصدار تشريع ستكون له عواقب سيئة في التطبيق إذا لم يتم مراعاتها حالياً.

ويؤكد د. الظفيري، أن على المشرع الكويتي الإجابة عن 6 أسئلة قبل اتخاذ قرار التشريع بخفض سن الحدث، وهي: ما العوامل الإجرامية التي تغيرت اليوم والتي تبرر خفض سن الحدث إلى 16 عاماً؟ وهل البيئة التي يعيشها الحدث اليوم في الكويت صحية أم غير ذلك؟ وهل لدى الدولة الميزانية اللازمة للصرف على توسعة السجون أو بناء سجون جديدة، لأن من تجاوز سن 16 عاماً سيكون في السجون مع النزلاء البالغين؟ وهل لدى الدولة القدرة على الرد على الانتقادات الدولية التي ستواجهها جراء خفض السن إلى 16 عاماً؟ وأخيراً هل الدولة على استعداد لتعليم النزلاء وهم في السجن، لأن الدولة ملزمة بتوفير التعليم لهم حتى مرحلة الثانية ومن هم بعمر 16 عاماً هم في الفئة الدراسية - الصف الثاني الثانوي؟

وذكر الظفيري أن على المشرع الكويتي أن يجري دراسات مستفيضة ويلتقي مع خبراء القانون الجنائي والنفسي والاجتماعي للتحقق من الأسباب والمبررات الداعية ومناقشته بشأنها قبل اتخاذ هذا القرار الذي ستكون له تبعات كبيرة على حياة الحدث ومستقبله، وكذلك من جراء العقوبات التي ستواجهه وهي الاعدام والسجن المؤبد بينما هو اليوم تكون أقصى عقوبة بشأنه هي السجن مدة لا تجاوز 10 سنوات.

وأوضح الظفيري أن خفض سن الحدث إلى 16 عاماً يعني قضاء هذا الإنسان بهذا العمر مع غيره من المجرمين في بقية القضايا الخطرة في السجن المركزي والاختلاط بهم وبسلوكهم وهو ما سيضر به ولا ينفعه، علاوة على أن السجن المركزي اليوم يعج بالمساجين والنزلاء، ومثل هذا الخفض لسن الحدث يعني إحالة من هم بهذا العمر بين 16 و18 عاماً إلى السجن المركزي بعد إقرار القانون، ومثل هذا العدد سيكون كبيراً بالتأكيد وسيكون عبئاً على السجن قد لا يتحمله.

وبين الظفيري قائلا إن «خفض السن يعني الحكم على من بلغوا سن الـ16 عاما بالإعدام وتنفيذه أو السجن المؤبد بالقضاء نهائياً على مستقبل قد ينتظره، بينما العقوبة القصوى اليوم عليه هي السجن ١٠ سنوات، وبعدما ينتهي منها قد ينخرط مجدداً في المجتمع، ومن ثم فخفض العقوبات مراعاة لسنه ووضعه ميزة له، ومثل هذا الخفض سيفقد تلك الميزة، علاوة على أن تطبيق تلك العقوبات سيوجه للكويت انتقادات دولية من جراء هذا الخفض بأنها سمحت بتوقيع وتنفيذ أحكام الإعدام على من تجاوز الـ16 عاماً».

وختم الظفيري حديثه قائلا «تجب دراسة البيئة الكويتية عما اذا كانت صحية أم غير صحية تبرر زيادة سن الحدث لـ٢١ عاما، كما يطالب أيضاً البعض، أو خفضه إلى سن الـ16 عاما، أو الإبقاء عليه في سن الـ18 عاما، رافضاً إقرار هذا التشريع من مجلس الأمة قبل الانتهاء من الدراسات اللازمة له، والتأني تجاه كل الأسباب التي قد تترتب عقب تطبيق القانون».

وعن تفاوت الأعمار في القوانين المختلفة قال، إن «مثل هذا التفاوت موجود في القوانين المقارنة بشأن سن الأهلية في القوانين الجزائية عنها في المدنية وغيرها من التصرفات، وبالتالي فإن عدم توحيدها لا يمثل مشكلة، لأن مثل هذا التفاوت مبرراً في تلك القوانين، كالسن الموضوعة في قانون العمل، والقانون المدني، وغيرهما من القوانين».

اتفاقيات دولية

من جانبه، قال نائب الرئيس للعلاقات الدولية بالمنظمة العالمية لحماية الطفل «انسبت بروكسل» في بلجيكا المحامي محمد طالب، إن «اعتماد مجلس الأمة لتعديل تشريعي يقرر خفض سن الحدث إلى 16 عاماً في المداولة الأولى يتعارض بشكل كبير مع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها الكويت خارجياً».

ويؤكد طالب أن «هذا القانون يتعارض مع مواد الدستور، ولا يشكل أي حماية للحدث»، لافتاً إلى أن هذا التعديل سيرمي بالأحداث إلى مخاطر كبيرة من خلال تعرضهم لعقوبات كالإعدام والمؤبد في قانون الجزاء، شأنهم شأن باقي المتهمين البالغين والمدركين ومن بلغوا سن الرشد.

ويوضح قائلا إن «لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة المكونة من أعضاء من مختلف دول العالم، وكذلك الدول المجاورة اعتمدت سن 18 للحدث، ولم تعتمد خفض سنه إلى 16، بسبب ما قد يعرضه لعقوبات الإعدام والمؤبد ولم توفر له الحماية القانونية، وان مثل هذا التعديل يتعارض مع جملة اتفاقيات وقعت عليها الكويت بجعل سن الحدث حتى الـ18 عاماً».

بدوره، يؤكد عضو مكتب أركان للاستشارات القانونية المحامي د. فايز الفضلي أن على المشرع الكويتي إعادة النظر في تضارب السن القانونية في مختلف القوانين، حفاظاً على التصرفات التي يبرمها الشخص، وكذلك لبيان المسؤولية القانونية عنه سواء كانت جنائية أو مدنية.

وأضاف الفضلي ان «التفاوت في الأعمار الواردة في القوانين يعكس عدم وضوح الرؤية لدى المشرع تجاه التصرفات، وبيان المسؤوليات الواقعة على الشخص، والعمر الذي من خلاله يستطيع ممارسة الحقوق».

وعن رأيه في التعديل الذي أصدره مجلس الأمة على خفض سن الحدث، أكد الفضلي أن قرار المشرع متسرع ولم يراع الجوانب العملية من جراء إدخال هذا التعديل موضع التنفيذ، وعلى المشرع ضرورة إعادة النظر في هذا التعديل، وعدم اعتماده في المداولة الثانية إلا بعد دراسة الموضوع من كل جوانبه.

قالوا

اتفاقية الطفل العالمية تعتبر الحدث حتى 18 عاماً... ومطلوب توحيد الحلول

الفيلي

المشرع مطالب بمراجعة كل التشريعات لإزالة التناقض

الكندري

هناك 6 أسئلة تنبغي الإجابة عنها قبل خفض سن الحدث

الظفيري

تخفيض سن الحدث سيعرضه مبكراً للإعدام والسجن المؤبد

طالب

تفاوت الأعمار يكشف عن عدم وجود الرؤية التشريعية في سن مباشرة الحقوق

الفضلي