كان المخرج ديفيد فينشر يبلغ سبع سنوات حين شاهد كتاب Hitchcock/Truffaut على مكتب والده. أخذه سريعاً وبدأ يتصفحه.

Ad

كان فينشر قرر منذ تلك المرحلة المبكرة أنه يريد أن يصبح مخرجاً، لكنه يتذكر أنّ قراءة كتاب Hitchcock/Truffaut كانت {جزءاً من دراسته السينمائية المنزلية}: {لم أفكر يوماً بطبيعة اللغة السينمائية التي يمكن استعمالها}.

في عام 1962، التقى ألفرد هتشكوك الذي كان يخرج الأفلام منذ 40 سنة تقريباً في لوس أنجلس بالمخرج فرانسوا تروفو الذي كان ناقداً في مجلة Cahiers du Cinema السابقة ثم أصبح مخرجاً ضمن حركة {الموجة الجديدة} السينمائية (The 400 Blows, Jules and Jim)، وأمضيا هناك أسبوعاً كاملاً وهما يتناقشان عن إخراج الأفلام.

سعى فرانسوا تروفو إلى جعل النقاد الأميركيين والجماهير يدركون أن هتشكوك كاتب حقيقي وليس مجرّد مخرج للأفلام الترفيهية. حقق تروفو هدفه حين نشر الكتاب في عام 1967. فبدأ النقاد والمخرجون والمعجبون يحملون نظرة مختلفة إلى هتشكوك بفضل ها الكتاب الذي أصبح واحداً من أكثر الكتب تأثيراً في تاريخ السينما.

يستعمل الفيلم الوثائقي Hitchcock/Truffaut للمنتج كينت جونز صوراً وأشرطة سمعية استناداً إلى ذلك الأسبوع الحافل بالمقابلات، فضلاً عن مقتطفات مأخوذة من أفلام هتشكوك الكلاسيكية ومن مقابلات مع مخرجين رائدين اليوم منهم فينشر، ومارتن سكورسيزي، وويس أندرسون، وريتشارد لينكلاتر، وأرنو ديسبليشين.

قبل كتاب Hitchcock/Truffaut، كان الإخراج يُعتبر على نطاق واسع أشبه بعالم مغلق، مثل عالم {كسانادو} المثالي في فيلم Citizen Kane. كتب سكورسيزي في رسالة إلكترونية: {بدا وكأنّ التجاوزات ممنوعة. جلبنا جميع تلك الأفلام من أوروبا وآسيا ونشأت حركة المدافعين عن المخرجين، لكن بقي سؤال كامن في أعماقنا: كيف نجرؤ على صنع الأفلام؟ ومتى نتوقف؟}.

عند نشر الكتاب قبل 50 عاماً تقريباً، يقول سكورسيزي: {وجدنا نفسنا فجأةً أمام مخرجَين من جيلين مختلفين وثقافتين مختلفتين ولكنهما لم يتكلما عن هوليوود القديمة أو طبيعة العمل مع نجوم السينما أو نوعية الطعام في مطاعم Brown Derby الشهيرة، بل إنهما تناقشا عن أسس فن السينما بكل فخر. هكذا حصلنا على معنى عميق لهذا الشكل من الفن}.

يقول فينشر إن الرؤية التي طُرحت عن هتشكوك في مجلة Cahiers du Cinema {غيرت النظرة إليه واعترفت بأنه ليس سيد التشويق فحسب! أظن أن هتشكوك شعر بالإطراء حتماً بعد إعادة تقييمه}.

في الأشرطة السمعية، يبدو هتشكوك الذي أصبح رفيق عمر تروفو منفتحاً ومشاكساً مع المخرج الشاب. السبب بسيط بحسب رأي سكورسيزي: كان هتشكوك يتحدث مع مخرج زميل له وليس مع ناقد.    

{لا فرق أصلاً إذا كان المخرج ناقداً سابقاً. كان تروفو يفهم ما يقوله هتشكوك لأن لغتهما مشتركة. لكن يختلف الوضع مع الناقد أو المؤرخ. في هذه الحالة أيضاً، كان المخرج الشاب يأتي إلى المخرج الأكبر سناً ويقول له: {أنت أستاذي ومرشدي وأريد أن يعلم الناس أهميتك بالنسبة إلي وبالنسبة إلى جميع المخرجين وفن السينما عموماً}. كان منفتحاً طبعاً}.

يصف فينشر فيلم التشويق النفسي الرومانسي Vertigo الذي أخرجه هتشكوك في عام 1958 وكان من بطولة جيمي ستيوارت وكيم نوفاك بالعمل {الغريب والمنحرف والشاعري بعض الشيء}. لكن من المعروف أن فينشر لا يحب هذا الفيلم: {مع ذلك، أعتبره مثيراً للاهتمام بشكل جنوني. أظن أن أفضل أعمال هتشكوك تشمل فيلمَي Psycho وRear Window. يقدم أفضل أداء له حين يعطي بصدق}.

لكن يخالفه سكورسيزي الرأي: {أظن أن فيلم Vertigo أحد أعظم الأفلام على الإطلاق. شاهدتُ أول عرض له على شاشة {فيستا فيزيون}. كان مربكاً في البداية لكني أحببته من دون أعرف السبب. كان مختلفاً عما يتوقعه الناس من هتشكوك، وبدت القصة غريبة وعاطفية جداً}.

مع ذلك، لا يأخذ سكورسيزي فيلم Vertigo على محمل الجد ولا يعتبره قصة واقعية: {لا أهتم مطلقاً بإبراز دوري في العمل. هذه هي التفاصيل التي تزعج فينشر على الأرجح. ضعتُ في القصة والجو العام والصور كما حصل مع {ستيوارت}. أتطلع إلى هذا المقطع في كل مرة أشاهد فيها الفيلم}.