سقوط القومية
الرحيل في جوهره فكرة مزعجة ومؤلمة سواء جاء اختيارياً تحت وطأة ضنك العيش أو إجباريا تحت وطأة التهديد السياسي والمضايقة السلطوية للأشخاص. وهو أكثر إيلاماً حين يكون تهجيراً كما يحدث الآن للشعب السوري المهدد بحياته ومعيشته ويقتحم الموت بحثاً عن الحياة، الحياة فقط.هذا الشعب لن ينقذه التعاطف الأوروبي والإنسانية "البيضاء" التي تستقبله بشكل أفضل من الشقيق العربي رغم أن الدول العربية لديها أضعاف ما يستقبله الغرب. ولن ينقذه الشعب العربي المتباكي على صور أطفاله وشيوخه ورجاله ونسائه الذين يركبون البحر تترصدهم سفن الحدود وتهاجمهم الأمواج.
يصرح رئيس وزراء المجر بأن الهوية المسيحية مهددة إذا استمر استقبال أعداد كبيرة من المسلمين، وبالمثل تحتج عناصر في ألمانيا وترفض كندا استقبال ما لم تنطبق عليهم شروطها التي تضعها للمهاجرين وبما يخدم مصالح العمل في خدماتها.ولا نستطيع أن نجبر هذه الدول على ذلك، ونحن لا نستطيع أيضاً أن نجبر دولاً عربية على مساعدة السوري النازح البعيد أو المقيم مدافعاً عن كيانه في أرضه. وصراع الهوية هو صراع حقيقي، وان كان سيادة الرئيس فيكتور اوربان صريحا جدا في طرح مخاوفه فيجب أن نحترم رأيه لسبب بسيط وهو أننا أيضا نخاف في العالم العربي من تصارع المصالح في حال تم استقبال أعداد أكبر من النازحين السوريين مما سيخل في التركيبات السكانية المقننة والتي يتم التخطيط لها بناء على الوضع الاقتصادي للبلد.الذين يرون أن صورة طفل غريق على ساحل البحر المتوسط وصورا كثيرة لأعداد من الأطفال ضحايا الغاز وصور التعذيب للرجال واحتجاز آلاف النساء في السجون تنكيلا بأقاربهن الثوار، الذين يرون في كل هذا انهيارا لانسانيتنا سنقوم بالتركيز على دائرة أصغر من الانسانية المطاطة. باختصار ان ذلك يسقط معتقد القومية العربية بالنسبة للذين مازالوا يؤمنون بفكرتها. ان ذلك يسقط فكرة النشيد القومي الذي كان يردده أبناؤنا ،وربما توقفوا عن ترديده الآن، "بلاد العرب أوطاني" وحماس الطابور الصباحي "تحيا الأمة العربية".ان البلاد التي تتمدد من المحيط الى الخليج كان يمكن أن تبقى محافظة على بعض مظاهر الوحدة العربية معتمدة على ثقافة مشتركة ولغة وعلى حلم في الوحدة ربما يتحقق في يوم ما ولو على النمط الأوروبي. وبعد هذه الصور المخزية أصبح مجرد التفكير بهذا الحلم في المدى القريب ضربا من الوهم. تركنا العراق يضيع وساهمنا في ضياعه حين لم نقف معه، وتركنا سورية تضيع وساهمنا في ضياعها ولم نقف معها الا بما أضرها، ونرى ليبيا تضيع ولبنان على وشك العودة الى حرب أهلية جديدة ولن نقف معه.نتحدث عن مشروع تقسيم الوطن العربي تقسيما جديدا ولا نعرف كيفية هذا التقسيم ونحن نشبه العمال الذي ينجزون عملا كبيرا دون أن يعلموا نتيجة عملهم حتى ينتصب المشروع أمامهم. جميعا نساهم في المشروع الأوسطي الجديد وجميعنا لا يعلم كيف سيبدو المشروع بعد أن ننتهي منه.