موسكو وواشنطن تديران «التوازنات المؤقتة»
تقول أوساط أميركية مطلعة، إن إمكانية صدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن بشأن «أولوية مواجهة الإرهاب في سورية»، لا يعدو كونه مقايضة بين واشنطن وموسكو، رغم محاولات الأخيرة شطب فقرة «هيئة الحكم الانتقالية» عبر فنزويلا، التي تتحرك بتوجيه مباشر منها، الأمر الذي يهدد بعدم صدور البيان إذا لم يتأمّن إجماع كل أعضاء مجلس الأمن حوله!ففي حين تجهد إدارة الرئيس باراك أوباما لتسويق الاتفاق النووي مع إيران أمام الكونغرس، حيث هيمنة الجمهوريين كاسحة، رغم عدم وضوح إمكان نجاحهم في تجاوز الفيتو الرئاسي عبر استمالة أصوات «ديمقراطية» كافية لتعطيله، تتولى موسكو تسويق «الوجه الجديد» لإيران، عبر توليها ملفات إقليمية تخفف عن واشنطن مهمة الدفاع عن هذا الجديد الإيراني الذي يَعِدُ بِلَعِبِ «دور بنّاء» في ملفات المنطقة.
والحديث عن قرب التوصل إلى حلول سياسية معقولة لملف الأزمة السورية قد لا يكون أكثر من بالون اختبار، بانتظار تمرير استحقاق الملف النووي.عقدة الرئيس السوري بشار الأسد ومستقبل دوره قد يكونان القشة التي ستقصم ظهر محاولة إقامة توافقات إقليمية، لا تبدو أطرافها مستعدة، حتى الساعة، للقبول بتوازنات للأسد مكان فيها، على رغم التغيير الذي طرأ على لغة بيانات مجلس الأمن، والتي يُفهَم منها أن شرط مغادرة الأسد لم يعد أولوية، بحسب النص الروسي.غير أن «ترحيل» استحقاق الأسد إلى مرحلة لاحقة تعتبره تلك الأوساط إجراءً لا بد منه، في حين نقاش مستقبله محور اتصالات متعددة الأطراف، انخرطت فيها موسكو وطهران ودول خليجية رئيسية، بالتلازم مع وتيرة تصعيد ميدانية تمتد من اليمن إلى العراق وتشمل سورية. ورغم رفضها الحديث عن وجود تنسيق أميركي مع أطراف إقليمية أخرى، باستثناء الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع أنقرة لمحاربة «داعش» وإقامة المنطقة الآمنة شمال سورية، تقول تلك الأوساط، إن التطورات الميدانية تشكل حراكاً يتغذى من أجندات لا تجد واشنطن غضاضة في التعامل مع نتائجها، كما يجري في اليمن.لا بل تكتسب معاودة الطائرات الأميركية من دون طيار غاراتها على قيادات من تنظيم القاعدة في اليمن معاني استراتيجية في كيفية إعادة ترتيب السلطة السياسية في هذا البلد، عبر تقليم أظافر إيران وجماعاتها فيه، وسحب ورقة خطر «القاعدة» منها كما ادّعت قبيل بدء التحالف الذي تقوده السعودية عملياته في اليمن.وفي اعتقاد تلك الأوساط أن صعوبات حسم معركة الزبداني، واضطرار طهران لخوض مفاوضات ميدانية مع قوى مقاتلة من المعارضة السورية، يقدم نموذجاً عن الصعوبات التي قد تواجه كلاً من طهران وموسكو خلال تسويق «مبادرات» تحمل في طياتها عوامل تأجيج مديد للصراع.فلوحة التقاسم الميداني للمناطق السورية، ستبقى إلى أمد غير منظور بيد أطراف إقليمية وازنة، يمكن أن تلجأ إلى التصعيد في أي لحظة قد تراها مناسبة لفرض وجهة نظرها أو على الأقل الإخلال بتوازنات تراها غير مناسبة لها.وتختم تلك الأوساط بالإشارة إلى تصريحات رئيس أركان الجيش الأميركي الذي تقاعد بالأمس الجنرال راي أوديرنو حول العراق واحتمال تقسيمه، قائلة إنها موجهة إلى مَن يجب إفهامه استحالة حسم الأمور في هذا البلد، إذا استمر التعامل مع أزماته وفق تصور طهران وأسلوب إدارتها فيه.