يكاد العراقيون يتناسون موضوع الإصلاحات السياسية التي انغمسوا فيها طوال شهور الصيف، فهاهم ينشغلون اليوم بدخول روسيا على خط المواجهة مع «داعش»، وإعلان «تحالف رباعي» يجمع بغداد وطهران ودمشق وموسكو، وبنحو يبدو متعارضاً مع التحالف الدولي الذي تقوده أميركا وتقدم من خلاله الدعم للعراقيين، منذ انهيار الحكومة أمام التنظيم المتشدد الذي ابتلع نحو ثلث مساحة بلاد النهرين.

Ad

وحتى الآن، لم يصبح واضحاً ما هو دور الضربات الروسية في العراق، لأن موسكو حصرت حملاتها الجوية في الأراضي السورية، لكن الحديث عن «تنسيق استخباري» هو البارز اليوم، ولذلك حاول رئيس الحكومة حيدر العبادي أن يعيد صوغ كثير من الجمل ليحاول نفي وجود «حلف» مع روسيا بهدف طمأنة واشنطن، دون أن يثير غضب موسكو.

والأمر سلط الضوء على مستوى التعقيد في المواقف السياسية داخل العراق، فالقوى السنية لم تصدر موقفاً واضحاً، لأنها تلتزم الصمت حيال الموضوعات الأساسية منذ مطلع الصيف، شعوراً باليأس من العبادي، وانهماكاً في تحضيرات خلف الكواليس لبناء مرجعية سياسية جديدة تتولى تشكيل «الإقليم السني» بالتنسيق مع واشنطن.

أما الأكراد، فقد انقسموا الى أكراد مدينة أربيل المقربين من واشنطن، وهؤلاء سارعوا إلى نفي اشتراك قوات البيشمركة الكردية في التحالف الروسي هذا، بينما عبر أكراد مدينة السليمانية المنافسون، وهؤلاء مقربون من طهران أكثر، عن ترحيبهم بـ»المساعدة الروسية».

أما الشيعة فهم أكثر المشاهد تعقيداً، فالجمهور الشيعي ينحاز لنظام الأسد «العلوي»، لكن النخبة تدرك ماذا يعني دخول روسيا على الخط.

وإذا كانت فصائل الحشد الشعبي مقربة من إيران وترحب بدور موسكو، فإن الشيعة المقربين من المرجع الأعلى في النجف علي السيستاني، يعتبرون ظهور موسكو في بغداد أمراً لمصلحة «النفوذ الإيراني المتعاظم».

وعملت النجف على إبلاغ طهران بضرورة ضبط علاقتها مع العراقيين، وتلقى الإيرانيون ضربة قوية بعد حركة الإصلاحات الأخيرة، خصوصاً حين جرت إقالة نوري المالكي من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وهو أقوى حلفاء طهران في العراق حالياً، لكن الإيرانيين يردون على الحركات الأخيرة بتوريط بغداد مع موسكو.

ويقول المحللون العراقيون، إن بغداد بلا خيار أمام كل أنواع التدخلات، وإن واشنطن تدرك هذا وليس عليها أن تغضب أو لا تغضب، لأن المطلوب هو مساعدة بغداد على أن تخرج من حالة الضعف هذه، ويشيرون الى أن واشنطن «تراخت» في دعم العراقيين ولعل ظهور روسيا سيثير حماس إدارة أوباما مرة أخرى.

إلا أن الملاحظة المهمة التي سجلها المراقبون في بغداد، هي أن واشنطن لديها حلفاء سنة من داخل المجتمع المحلي في مناطق تواجد «داعش»، وتستقي منهم معلومات مهمة أدت الى تصفية عشرات القيادات في التنظيم ومحاصرة تحركاتهم في العراق.

أما طهران ودمشق وموسكو فليس لديهم أصدقاء موثوقين من الزعماء السنة، ولذلك فهم بلا خبرة تقريباً في ما يتعلق بالوضع داخل مناطق «داعش»، وبالتالي فإن الاستناد لدور روسي سيكون خطأ حربياً إذا أدى إلى خسارة الإسناد الأميركي للعراقيين.