إذا كانت الأزمة المالية والركود الكبير قد أسهما في تغيير شيء في عقول صناع السياسة الاقتصادية الواسعة فهو أنهما دفعاها الى التفكير في مسألة التمويل، ويبدو أن من الأمور التي لا يمكن تخيلها، بعد سبع سنوات على تلك الأزمة، التفكير في أن أحداً يستطيع تجاهل الصلة بين النظام المالي وبقية القطاعات الاقتصادية.

Ad

وكان مما يشبه الحلم النظر إلى نماذج الاقتصاد الكبير في الفترة التي سبقت سنة 2009، والكثير منها لا يزال قيد الاستعمال اليوم، والبحث عبثاً عن أي مرجع للضغط أو أسعار أصول أو الصناعة المالية.

لقد صممت سياسة الاقتصاد الكبير على عدم تكرار أخطاء الماضي، وفي مؤتمر صندوق النقد الدولي الذي انعقد في ابريل الفائت تحت عنوان «اعادة التفكير في السياسة الواسعة» تركز الكثير حول التفاعل بين السياسة الحكومية والتمويل.

السؤال الكبير كان ما الذي تستطيع الحكومة عمله من أجل الحد من الخطر المالي، وتوجد ثلاث مقاربات أساسية في هذا الصدد:

وتمثلت الأولى في جعل البنك المركزي يرفع معدلات الفائدة عندما ترتفع أسعار الأصول، ويعتقد العديد من الناس أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، وعندما تسمع تأكيدات بأن الأزمة المالية في سنة 2008 قد حدثت لأن معدلات الفائدة كانت متدنية جداً ولفترة طويلة من الزمن، أو عندما يشير الناس الى ارتفاع أسعار الأصول على شكل انكماش في تلك الأسعار فأنت تسمع أصداء تلك النظرية. وتتمحور تأكيدات الاقتصادي في ستانفورد السيد جون تايلر حول أن هذا سوف يفضي الى قدر كبير من الاستقرار المالي ضمن هذه النظرية.

ولكن توجد مشاكل كبيرة تتعلق برفع معدلات الفائدة بحيث تحجم أسعار الأصول، وتتمثل أولى هذه المشاكل في عدم وضوح الوقت الذي تكون فيه الأسعار عالية جداً أو متدنية جداً، وتوفر مقاييس التقييم اشارة ضعيفة على زيادة التقييم أو العكس.

والمشكلة الثانية هي أن معدلات الفائدة لا تؤثر فقط على أسعار الأصول، بل تشمل أيضاً أسعار السلع والخدمات إضافة الى الاقتصاد الحقيقي، وإذا بدأت بتحريك معدلات الفائدة بغية محاربة الفقاعات أو اخراج السوق من الانكماش فسوف تفرض تكلفة باهظة على الاقتصاد لأنك سوف تتسبب في حدوث تقلبات في الاقتصاد الحقيقي ومعدل التضخم.

وقال الاقتصادي في جامعة ستوكهولم لارس سفنسون في مؤتمر صندوق النقد الدولي إن تكلفة فوائد استخدام معدلات الفائدة من أجل تحقيق الاستقرار في سوق الأصول تعتبر عالية جداً.

وتتمثل الفكرة المهمة التالية في التنظيم المالي، وفي وسعنا، بشكل مثالي، منع الشركات المالية من تعريض نفسها للخطر عن طريق التنظيم المالي الذكي، ولكن المشكلة هي أن ذلك التنظيم سوف يفضي بصورة لا يمكن تفاديها الى فرض بعض التكلفة على الاقتصاد بل في ما إذا كان في وسع الجهات التنظيمية مواكبة مهندسي التمويل المبدعين.

وفي حقيقة الأمر فإن البعض أشار في مؤتمر صندوق النقد الدولي الى وجود خطر في التحول الى ما يدعى نظام الظل المصرفي، ويسبب تنظيم تلك الشركات المالية، التي غالباً ما تعمل مثل بنوك، الكثير من المتاعب.

وقد جادلت فيرال أكاريا من جامعة تيويورك في أن صناع السياسة حققوا الكثير من التقدم في مجال الخطر الكمي (الذي كان في صلب الأزمة المالية في عام 2008)، ولكن أنات أدماتي من كلية ستانفورد التجارية تقول بوجوب عمل المزيد في هذا الصدد.

وتوجد بين السياسة النقدية والتنظيم المالي أداة هجينة تدعى سياسة الحكمة الواسعة، وهي تشير بصورة عامة الى التنظيم المالي الذي يعدل بشكل ديناميكي الوضع في الأوقات الصعبة ويتساهل بقدر أكبر في حالات الفشل. ولكن من غير الواضح متى يتعين تعديل التنظيم، وفي حقيقة الأمر، يبدو أن من الصعوبة بمكان أن تتمكن من وضع تخطيط لشركتك فيما يستطيع البنك المركزي في أي وقت تطبيق تنظيم يجعل من ذلك التوسع عملية غير مربحة.

ومن هذا المنطلق فإن مؤتمر صندوق النقد الدولي المشار اليه أكد عدم ثقة صناع السياسة في الأسلوب الذي يجب أن يتبع في حل المشاكل الشائكة التي تواجه النظام المالي، وهم في حال من التشوش والارباك في ما يتعلق بالخطوات اللازمة من أجل محاربة الركود والتضخم أيضاً. وتقول النظرية القياسية ان على مجلس الاحتياط الفدرالي زيادة معدلات الفائدة في حالات الازدهار وخفضها في حالات الانكماش.

* Noah Smith