فقدت الكويت أحد كبار جيل الرواد والمؤسسين وواحداً من الشهود على الديمقراطية والحياة السياسية في البلاد، كان من خيرة رجالاتها، وصاحب السجل الحافل في خدمة وطنه من خلال العمل البرلماني والسياسي، كان صلباً في الحق، لا يخشى فيه لومة لائم، وقد ساهم بشكل بارز في إثراء الحياة السياسية بكل ما من شأنه رفعة الكويت ونهضتها... إنه العم يوسف خالد المخلد.  لم يبحث المخلد عن مال أو جاه، بل كان جل اهتمامه إنجاز طريق لتطور الكويت لترتقي من مجرد مجتمع بسيط الى مجتمع له نظام سياسي واضح ومتكامل، بدأ مسيرته السياسية بدخوله المجلس التأسيسي الذي صاغ بنود الدستور مع زملائه النواب، واستكملها بعضوية خمس دورات لمجلس الأمة، منها أربع دورات متتالية.

Ad

ولد العم يوسف المخلد في فريج هلال بشرق عام 1923، وبدأ تعليمه بحفظ الحروف الأبجدية عند الملا محمد صالح التركيت، ثم ذهب إلى الملا عيسى، ومكث عنده فترة، ليذهب بعدئذ للدراسة عند الملا حسن الذي علمه «مسك الدفاتر»، وهو العلم الذي يعنى بالعمليات الحسابية والمالية بمفهومنا الحالي، ثم درس في مدرسة بن شرهان، ثم في المدرستين المباركية والأحمدية، وعُرف عنه اهتمامه الكبير بقراءة الصحف المصرية، الأمر الذي ساعده كثيرا في تعلم اللغة العربية وتوسيع مداركه.

كبر العم أبوأحمد وترعرع في بيت جده لوالدته هلال الفجحان المطيري، الذي كان يعتبر مدرسة بحد ذاته، وفي بيئة تعتمد على تجارة اللؤلؤ، ولقد ترسخت هذه الخبرة عند المرحوم والده خالد المخلد الذي عمل في بيع اللؤلؤ، كما كان يشرف أيضا على بساتين النخيل التي يملكها الحاج هلال الفجحان المطيري، فكان لهذا الوسط الذي نشأ فيه العم أبوأحمد الأثر الكبير في تكوين شخصيته، كما استفاد وتعلم الكثير من امور الحياة من جده ووالده وخاله مشاري، رحمهم الله جميعا.

سافر المرحوم مع والده إلى الهند، واستقر هناك حيث تعلم فيها اللغة الانكليزية، وفي التاسعة عشرة من عمره طلب من خاله مشاري ان يذهب إلى البحر حتى يتعلم السفر والعمل، والذي بدوره طلب منه الذهاب إلى جيرانه ليساعدوه على ذلك، إلا انه لم يذهب مفضلاً قضاء وقته في الذهاب الى مزرعة صباح الناصر مع اصدقائه، وفي السفر إلى البصرة، حيث كانوا يمكثون فيها نحو اربعة اشهر ثم يعودون إلى الكويت.

بعد وفاة والدته، تزوج والده من خالته التي تكفلت بتزويج العم يوسف المخلد، وهو ما تم عندما بلغ الخامسة والعشرين، ودام زواجه الاول نحو خمس سنوات لم ينجب خلالها، فتزوج مرة ثانية من ابنة عائلة الإبراهيم في منطقة الزبير العراقية.

العمل

بعد زواجه الثاني، رحمه الله، كان لابد ان يجد له عملا، فاستأجر محلا في سوق الكويت بشارع فلسطين لبيع حقائب السفر، وكان هذا اول عمل اشتغل به، رحمه الله، واستمر حتى عام 1938، حيث لم يكن المحل يدر دخلا معقولا، فضغطت عليه عائلته ليبحث عن عمل آخر، وتوسط له خاله مشاري عند مدير البلدية المرحوم عبدالله الفلاح، فعمل فيها نائباً لرئيس بيوت الدخل المحدود، وكان يوثق عقود البيوت المرهونة، وأحضر احد اصدقائه للعمل بمحله في سوق الكويت والاهتمام فيه.

المجلس التأسيسي

خلال فترة عمله في البلدية، جاءه بعض اصدقائه المقربين وطلبوا منه الترشح للمجلس التأسيسي، فلم يوافق في البداية حيث كان موعودا بمنصب رئيس قسم المناقصات، ولكنه رضخ لطلبهم بعد اصرارهم عليه، وفاز بانتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في 30 ديسمبر 1961، وبدأ العمل مع زملائه النواب في وضع مواد الدستور الكويتي حتى انتهوا منه بعد 32 جلسة، أُقر في آخرها دستور الكويت عام 1962، وكان العضو المرحوم احمد الرشيد اكثر الاعضاء قربا منه، ولم تخل الجلسات من الحدّة في النقاش، وخاصة حول المادة الثانية التي تنص على ان الشريعة الاسلامية مصدر رئيس للتشريع، واتسمت مواقف بعض اعضاء المجلس بالصلابة والتشدد، ولكنها جميعا كانت تصب في مصلحة الكويت.

 وقد عُرف عن المرحوم الثبات في قول الحق، ولم يكن يخشى في ذلك لومة لائم، واضعا امام عينيه القسم الذي اقسمه، فكان كثير اللجوء الى الخبراء الدستوريين في المسائل التي لا يفهمها، وهو من اشار الى أهمية وجود محكمة دستورية، وقد تم بالفعل تشريع قانون للمحكمة الدستورية، وكذلك المحكمة الادارية عقب صدور الدستور، وقد استمر المجلس التأسيسي في عمله حتى 20 يناير 1963، وذلك قبل أن يحل نفسه لإجراء أول انتخابات برلمانية لاختيار أعضاء مجلس الأمة الأول.

مجلس الأمة

شارك المرحوم ابواحمد في جميع انتخابات مجلس الامة التي جرت منذ الدورة الأولى عام 1963 حتى الدورة الثامنة عام 1992، وقد حاز المركز الأول عن الدائرة الرابعة (الشامية) لثلاث دورات متتالية اعوام 1963 و1967 و1971، وأصبح نائبا لرئيس مجلس الأمة خالد الغنيم في مجلس 1971، كما فاز للمرة الرابعة على التوالي بعضوية مجلس الأمة في انتخابات 1975 رغم تراجعه إلى المركز الخامس عن الدائرة الرابعة، بعد ان حصل على 961 صوتا، وقد تم حل هذا المجلس بعد عام واحد، ولم يحالفه الحظ في انتخابات مجلس 1981 بعد تعديل الدوائر الانتخابية إلى نظام الـ 25 دائرة، حيث حل ثالثا في الدائرة الانتخابية السادسة عشرة (العمرية) خلف النائبين محمد البراك ونايف بورمية المطيري، وحصل على 224 صوتا.

 ولكنه عاد في مجلس 1985 وفاز بعضوية المجلس عن الدائرة السابعة عشرة (جليب الشيوخ) ونال 635 صوتاً في المركز الثاني خلف النائب فيصل الدويش، وقد تم حل هذا المجلس حلاً غير دستوري عام 1986 وتعطلت الحياة البرلمانية إلى ان جاء المجلس الوطني عام 1990 وحصل الغزو العراقي بعده، وفي انتخابات المجلس عام 1992 اشترك المرحوم في الانتخابات الا انه حل ثالثا بعدد 456 صوتاً خلف النائبين محمد المهمل ومحمد شرار، وكانت هذه الانتخابات هي الاخيرة التي يشارك فيها المرحوم يوسف المخلد.

ولقد ترك، رحمه الله، بصمات واضحة في مجال العمل البرلماني طوال مسيرته في مجالس الامة التي فاز بعضويتها، منحازا للحق ومدافعا قوياً عنه واضعا مصلحة الكويت فوق كل اعتبار، كان من المؤيدين لطرح الثقة في وزير النفط عبدالرحمن العتيقي في مجلس 1976، ومعارضا لها عند مناقشة الاستجواب المقدم لوزير التجارة والصناعة خالد العدساني، وفي مجلس 1985 أيد، رحمه الله، طرح الثقة في استجواب وزير العدل دعيج السلمان الصباح.

 وعُرفت عنه قلة مشاركته في اللجان البرلمانية وصراحته في ابداء رأيه حول الممارسات البرلمانية الحالية، وقد عبر في اكثر من مناسبة عن عدم رضاه لكثرة الاستجوابات التي جرت في المجالس الاخيرة، كما كان يشدد على ضرورة احترام النائب للقسم الذي اقسمه، وعلى احترام قاعة عبدالله السالم والابتعاد عن المهاترات، وكان يدعو الناخب الى اختيار الكفاءة في من يمثله في المجلس، ولا يعتمد على القرابة والبعد عن الطائفية والفئوية.

مساعدة المزارعين

عُرف عن العم يوسف المخلد حبه الكبير للزراعة، وقد انعكس ذلك على اهتمامه بالمزارعين في الكويت، فتصدى لمشاكلهم وهمومهم ونقل قضاياهم تحت قبة البرلمان، حيث لم تكن هناك لجنة برلمانية تهتم بهم، فتولى ذلك هو وزميله المرحوم النائب محمد الرشيد، وقد كان دائما يحث الحكومة ويوجهها إلى زيادة الرقعة الخضراء في الكويت وإلى اعطاء منطقة الوفرة ما تستحقه.

 وقد نقل وطبق تجربته البرلمانية والديمقراطية على القطاع الزراعي، فكان يصر على توزيع التقرير المالي والاداري على المزارعين قبل انعقاد الجمعية العمومية للاتحادات الزراعية، فيكون لدى المزارع الوقت الكافي لقراءته وإبداء الرأي فيه ومناقشته بما يصب في مصلحة الجميع من مزارعين واتحادات. كان لا يطيل الاستقرار في مكان واحد لا توجد فيه حديقة خضراء، فكان منزله بالفنطاس أشبه بالمزرعة، وكذلك الحال في فرنسا حيث اشترى مزرعة في منطقة الريف الفرنسي.

ورغم اعتزاله العمل السياسي، فإنه كان يتردد على الدواوين ويتواصل مع اهل الكويت ناصحا لهم، ومشاركا لهم بآرائه في بعض الممارسات النيابية التي تجري في وقتنا الحالي، بما يترجم المعنى الحقيقي للمواطنة.

رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

السيرة الذاتية

• يوسف خالد المخلد المطيري

• مواليد 1923 (حي الشرق - الكويت).

• تلقى تعليمه الأولي في مدرسة محمد صالح التركيت وملا حسن وملا عيسى ومدرسة بن شرهان.

• سافر مع والده إلى الهند ومكث فيها فترة تعلم خلالها اللغة الانكليزية.

• اشتغل بالتجارة الحرة وكان يملك دكاناً لبيع الحقائب في مكتب والده بسوق الكويت حتى عام 1938.

• عمل نائباً لرئيس بيوت الدخل المحدود في البلدية.

• عضو المجلس التأسيسي (1962 - 1963)ِ

• عضو مجلس الأمة لأربع دورات متتالية: الأولى (1963 - 1967) والثانية (1967 - 1970) والثالثة (1971 - 1975) والرابعة (1975 - 1976)

• نائب رئيس مجلس الأمة في فصله التشريعي الثالث (1971 - 1975)

• عضو مجلس الأمة السادس (1985 - 1986)

• أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الخالدية التعاونية عام 1968