لعل أفضل دليل لرجوع البلد عما كان عليه في الستينيات في ظل تدهور الأوضاع الإقليمية والعالمية الحالية وتدهور أسعار النفط هو حيرة المسؤولين، وكأن أحداثا مثل هذه لم يتنبأ بها أحد من قبل، أو أنها احتمال كان يمكن أن يصيب غيرنا ولا يصيبنا.
صدق أخي جاسم السعدون، وهو يصرح بما يعتمل في القلوب على هذا الوطن، فما يحدث للكويت لم يحدث لأي بلد آخر في العالم، وأي مقارنة بسيطة في أي مجال من مجالات الحياة في الستينيات لا يمكن أن يصدقه عاقل، لا يمكن أن يصدق أن بلدا غنيا بالمال والناس والقدرات يمكن أن يتراجع إلى هذا الحد. جاسم السعدون ليس له غرض خاص ولم يدخل حزبا ولم يدخل انتخابات، وهو رجل مهني راقي الخلق، كلامه موزون ومدعم بالأرقام، لا يتكلم عن هوى ولا ينزل إلى مستوى المماحكات السياسية أو غيرها، يقول بصدق وعن معرفة ومتابعة دقيقة لما يجري في الوطن وفي اقتصادات دول العالم، ولذلك لا بد أن نصغي إليه وإلى أمثاله من المخلصين.المطبلون يغرفون من كيس الحكومة ولا يهمهم لو دمر البلد أو ضاع، ولا يدلونكم على الطريق الصحيح، وعنادكم أمام من يخلص لهذا البلد والاستمتاع بما يقوله المطبلون هو سبب "البلاوي" التي تنزل بالبلد، وسبب تأخره بكل المقاييس أمام دول مجلس التعاون وأمام دول العالم. قد يدافع مطبل ويدّعي أن السبب هو كسل الكويتيين، فالحكومة وفرت لهم أفضل المرتبات وسبل المعيشة الرغيدة، لكنهم لا يعملون ولا يحبون بذل الجهد، وهذا يا سادة كلام مردود عليه، فالكويتيون كانوا في مقدمة دول المنطقة وقد صنعوا وتاجروا وتفننوا في كل المجالات عندما كان تدخّل الحكومة نادراً، أما بعد أن أصبحت الحكومة هي المديرة لكل الأنشطة، وهي التي تحدد المشاريع ومن ينجزها ولمن تعطيها، وتركت المال العام للعبث، وتركت معظم الناس يستلمون رواتب بلا عمل، فإنها هي التي قادت التدهور ليس في العمل الحكومي فقط إنما في كل مجالات العمل العام والخاص، فضاعت الخطط أو وضعت من أجل أفراد، وتاهت الرقابة وساء التنفيذ فساء أداء البلد كله.لا يعني هذا أن كل شيء سيئ، لكن ما أجادت به الحكومة، وهو أقل القليل، لا يبرر التراخي والتدهور وضياع المالية ورجوع البلد عما كان عليه في الستينيات، ولعل أفضل دليل هو حيرة المسؤولين أمام تدهور الأوضاع الإقليمية والعالمية الحالية، وتدهور أسعار النفط، وكأن أحداثا مثل هذه لم يتنبأ بها أحد من قبل، أو أنها احتمال كان يمكن أن يصيب غيرنا ولا يصيبنا. لذلك لم نحترز ولم نستعد، والآن نضرب أخماسا بأسداس، ونقف حائرين لما يمكن أن يهدد مستقبلنا، وكل التصريحات التي نسمعها الآن تزيد من خوفنا على بلدنا، فتصريح يقول بتسييل الاحتياطيات، وآخر يدعو إلى الاقتراض، وآخر ينادي بألا نخاف ولا نجزع فنحن بخير، وسنعوض الخسائر ببعض الضرائب والرسوم وخفض الدعم أو إلغائه، لكن أين كنا قبل هذا اليوم؟ ولماذا فوجئنا ونتخبط في إيجاد الحلول؟لم يدع المطبلون أحداً يفكر في هذا، ولم نسمع مسؤولا واحداً يقدم لنا حساباً وخطة قبل عشر سنوات مثلا لمواجهة مثل هذا اليوم، ودفنت عشرات الدراسات والآراء في أدراج الحكومة، وقالوا عن جاسم السعدون إنه متشائم وغير واقعي، لذلك نقول لهم: ردوا عليه اليوم ماذا عندكم لتزيلوا تشاؤمه وتعيدوه إلى الواقع، واسألوا مطبليكم أين هم الآن؟ وما عندهم من حل، فربما يجدون شيئا آخر يصفون به المخلصين بغير التشاؤم وعدم الواقعية، وربما تجدون لديهم أرقاما أدق مما عند جاسم السعدون؟عليكم الاستماع لمن يريد خيراً بالبلاد وخيراً لكم أيضاً، ولا تنزعجوا من الحقيقة، لكن عليكم مواجهتها بعمل حقيقي وإن كان متأخرا، نريد بلداً فيه إدارة كفؤة وجادة ومخلصة ونزيهة، وما لم تختاروا الإدارة بهذه المواصفات فإننا سنراوح مكاننا، بل سنتقهقر أكثر وأكثر.
مقالات
هل تفضلون المطبلين؟
27-12-2015