شهدت مصر والعالم كله يوما تاريخيا أمس، بافتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي مجرى قناة السويس الجديدة، وسط احتفالات رسمية مهيبة ومشاركة عربية ودولية واسعة، أكدت اجتياز النظام المصري اختبارا جديدا في اكتساب شرعية داخليا وخارجيا، وسط موجة تفاؤل بقدرة المشروع على انتشال الاقتصاد المصري من تعثره.

Ad

وسط احتفالات رسمية وشعبية ضخمة، افتتح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمس، مشروع قناة السويس الجديدة أمام حركة التجارة العالمية واعداً بمزيد من المشاريع، بمشاركة سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد ولفيف من قادة دول العالم، وسط إجراءات تأمينية غير مسبوقة ومظاهر احتفالية مهيبة استمرت حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، ويأمل النظام المصري أن يتحول مشروع المجرى الملاحي والمشروعات الملحقة به إلى قاطرة تجر الاقتصاد المصري وتخرجه من كبوته الممتدة منذ سنوات.

وتم إنجاز المشروع، الذي وصفته القاهرة بـ"هدية مصر للعالم"، في زمن قياسي استغرق عاما واحدا، إذ أعطى الرئيس السيسي شارة البدء في المشروع 5 أغسطس 2014، وتضمن حفر قناة بطول 35 كيلومترا، في موازاة القناة الأساسية، فضلا عن تعميق جزء من المجرى الملاحي بطول 37 كيلومترا، ووصله بالقناة الجديدة، ليصل إجمالي طولها إلى 72 كيلومترا، ويهدف المشروع إلى مضاعفة القدرة الاستيعابية لحركة الملاحة في الممر الملاحي الأهم في العالم، لتستقبل 97 سفينة يوميا، بدلا من 49 سفينة سابقا، فضلا عن تخفيض مدة الانتظار من 18 إلى 11 ساعة.

المحروسة

بدأت الاحتفالات في الثانية ظهرا، بمظاهرة بحرية من الكيلو "86" من ترقيم قناة السويس الجديدة، حيث أبحر الرئيس السيسي في المجرى الملاحي الجديد على ظهر يخت "المحروسة"، الذي استقله الخديوي إسماعيل من قبل في افتتاح القناة للملاحة لأول مرة عام 1869، وحرص السيسي على ارتداء البزة العسكرية المخصصة للاحتفالات الرسمية، وكان الرئيس السابق أنور السادات ارتدى بزة عسكرية أثناء إعادة افتتاح القناة للملاحة سنة 1975، بعد استردادها من الاحتلال الإسرائيلي.

وأطلق يخت "المحروسة" صافراته إيذانا ببداية الاحتفال، وصاحبه عدد كبير من الوحدات البحرية التابعة لهيئة القناة والقوات البحرية المصرية، إلى الكيلو "76"، حيث تقع المنصة الرئيسية للاحتفالات في محافظة الإسماعيلية (100 كيلو متر شرق القاهرة).

وحرص السيسي على تبادل التحية مع المصريين الذين اصطفوا على ضفتي القناة، وشاركه طفل مصاب بالسرطان حقق الرئيس أمنيته بالمشاركة في الحفل، وكذلك مجموعة من ممثلي فئات ومحافظات الشعب المصري.

وبعد وصول الرئيس المصري إلى المنصة الرئيسية مرتديا بزة مدنية هذه المرة، بدأت عروض عسكرية على شرف الحضور، بينما أدت مقاتلات "الرافال" و"f16" عروضا جوية في سماء الاحتفال، وتم عرض فيلم مدة 8 دقائق عن مراحل المشروع المختلفة، بينما انتشرت قوات الأمن وطائرات هليكوبتر عسكرية تأمينا لوصول اليخت إلى مقر حفل افتتاح القناة، بحضور رؤساء وملوك دول عدة.

وعقب انتهاء السيسي من كلمته، التي دشن فيها حركة الملاحة بالقناة الجديدة رسميا، انتقل وضيوف الاحتفال إلى إحدى ساحات الفنادق المطلة على بحيرة التمساح، حيث أقيم حفل عشاء لضيوف مصر والمشاركين، أعقبه عدة عروض لجزء من أوبرا "عايدة"، وموسيقى الفنان عمر خيرت، وغيرها من العروض الغنائية.

وأكد مصدر مسؤول في هيئة القناة أنه تم السماح بعبور 6 سفن فقط أثناء الاحتفالات أمس، بهدف مزيد من إجراءات التأمين للاحتفالات، ولمنح الفرصة للوحدات البحرية المشاركة للاحتفال بحرية في الحركة، ولسهولة إخلاء المجرى الملاحي لنقل الضيوف بعد الانتهاء من الاحتفالات، على أن يبدأ فجر اليوم العبور الكامل لقوافل السفن في الازدواج الجديد للقناة بطول 72 كيلومترا.

وقالت هيئة القناة إنها حققت إنجازا عالميا غير مسبوق من خلال إنجاز المشروع قبل الإطار الزمني المحدد، مشيرة إلى أنه مع اقتراب موعد الافتتاح آن للشعب المصري أن يفرح بالإنجاز العظيم الذي يظهر عزم وإرادة وتصميم المصريين في قهر المستحيل.

حفاوة استقبال

وحظي أمير البلاد، الذي وصلت طائرته في الثالثة والنصف عصرا، باستقبال حافل من الجانب المصري، وثمن مصدر رفيع المستوى تواجد الأمير في مقدمة الوفود العربية والدولية المشاركة في الاحتفال.

وقال المصدر لـ"الجريدة" إن مشاركة أمير الكويت بشخصه يدل على خصوصية العلاقة بين البلدين قيادة وحكومة وشعبا، مضفيا: "مشاركة سمو الأمير رسالة تأكيد جديدة على العلاقة التي تربط الكويت وقائدها بمصر وشعبها في هذه المرحلة وما سبقها من مراحل".

وتقدم أمير البلاد والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الوفود العربية والدولية لنحو 102 دولة، كما حضر العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس العراقي فؤاد معصوم، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وشارك في الحفل نائب رئيس الإمارات حاكم إمارة أبوظبي محمد بن راشد آل مكتوم، فضلا عن عدد من رؤساء ورؤساء حكومات عدة دول إفريقية.

تأييد حزبي    

وسادت أجواء احتفالية شوارع القاهرة والمحافظات، بعدما خرج المئات إلى الميادين الرئيسية للاحتفال بالافتتاح، وشارك وفد ضم عددا من رؤساء الأحزاب في حفل الافتتاح، في مقدمتهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، ورئيس حزب الوفد السيد البدوي، ورئيس حزب المؤتمر عمر صميدة، ورئيس حزب الكرامة محمد سامي.

كما شارك في الافتتاح عدد من الشخصيات العامة، في مقدمتهم الرئيس السابق المستشار عدلي منصور، والدبلوماسي المخضرم عمرو موسى، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، وبطريرك الإسكندرية البابا تواضروس الثاني، ورؤساء الحكومة السابقون كمال الجنزوري وحازم الببلاوي، والجراح العالمي مجدي يعقوب.

«القناة»... من هيئة إمبريالية إلى رمز قومي

في القرن التاسع عشر، أقنع الفرنسيون ملك مصر بأن بناء قناة تصل البحرين المتوسط بالأحمر سيجلب له المجد. وبعد مرور قرن ونصف القرن، يريد الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي ترك بصمته على هذا المشروع بتوسيع قناة السويس.

لم يعش سعيد باشا، والي مصر والسودان بين 1854 و1863، طويلا ليشهد تدشين القناة التي افتتحت بعد 6 سنوات من وفاته.

ولكن التاريخ يذكره بأنه الرجل الذي باع حقوق شق القناة الى القوى الإمبريالية الفرنسية والبريطانية.

وكان القنصل الفرنسي فرديناند ديليسيبس الرجل الذي أقنع سعيد باشا بمنحه امتياز حفر القناة. وكانت قناة تربط النيل بالبحر الأحمر حفرت في العصور القديمة، لكن تم تركها منذ زمن طويل.

غير أن القنصل الفرنسي ذا الشارب الكثيف، أراد نفض الغبار عن القناة مجددا بإقناعه الملك الشاب منحه الامتياز.

وتمكن ديليسيبس من كسب صداقة الباشا. فأمّن له سرا صحونا من السباغيتي، وفق ما تقول المؤرخة عفاف لطفي السيد مارسو.

ولأن سعيد باشا كان بدينا، فقد أثار ذلك استياء والده محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة والخبير في الاستراتيجيات العسكرية، ففرض عليه برنامجا رياضيا مكثفا.

ولكن إن أصبح سعيد مشهورا، فهذا "بسبب سذاجته التي قادته الى توقيع تنازل ضار"، واضعا بلاده، التي كانت خاضعة للحكم العثماني، تحت مقصلة الديون الخارجية، وفق ما تشرح مارسو في كتابها "قصة قصيرة عن مصر الحديثة".

القناة التي حفرتها شركة قناة السويس التابعة لديليسيبس، والتي افتتحت في 17 نوفمبر من عام 1869، كلفت المصريين كثيرا.

فآلاف العمال قضوا خلال أعمال شق القناة. وفي عام 1882، غزت بريطانيا العظمى مصر خوفا من سيطرة الزعيم الوطني أحمد عرابي على القناة والامتناع عن دفع ديون البلاد.

وانسحب البريطانيون في نهاية المطاف، حين كانت سلالة سعيد باشا في الحكم، لكنهم تقاسموا استغلال القناة مع الفرنسيين، ما أغضب في ما بعد العقيد جمال عبدالناصر.

وتسلم عبدالناصر السلطة في عام 1954، بعدما قاد انقلابا ضد نظام الحكم الملكي عام 1952.

ومثل أي زعيم مصري، كان السد العالي (سد أسوان) المشروع الذي أراد عبدالناصر أن يترك بصمته عليه.

لكن الرئيس العروبي واجه صعوبة في الحصول على تمويل خارجي، وخصوصا أن بريطانيا وفرنسا رفضتا ذلك بسبب دعمه للاستقلاليين في الجزائر وموقفه العدائي تجاه إسرائيل.

وكانت عائدات قناة السويس حينها تذهب الى خزائن لندن وباريس. وفي السادس والعشرين من يوليو 1956، قال عبدالناصر خلال توجيهه خطابا الى الأمة، إنه التقى رئيس البنك الدولي يوجين بلاك في محاولة للحصول على تمويل للسد العالي في أسوان، "بدأت أنظر الى مستر بلاك، الذي كان يجلس أمامي على الكرسي، وكنت أتخيل أنني أجلس أمام فرديناند ديليسيبس"، لفظ عبدالناصر "كلمة السر" لتبدأ عملية تأميم القناة.

مع نطقه لاسم القنصل الفرنسي، أعطى عبدالناصر ضوءا أخضر لقواته التي كانت تنتظر إشارة لاستعادة السيطرة على القناة وتأميمها، وتحويل عائداتها الى الخزانة المصرية لتمويل السد العالي.

واتفقت بريطانيا وفرنسا الغاضبتان من الخطوة، وبدعم من إسرائيل، على خطة عسكرية تسمح لإسرائيل بغزو مصر وتوفير ذريعة لباريس ولندن لإرسال قوات للفصل بين الأطراف المتحاربة، وفي الوقت نفسه استعادة السيطرة على القناة.

وبدأت العملية التي تعرف بالعدوان الثلاثي في أكتوبر من عام 1956. ولكن الولايات المتحدة، وخوفا من مواجهة أكثر خطورة مع الاتحاد السوفياتي، قدمت دعمها لعبدالناصر، ووضعت حدا للحرب.

وأمس الخميس، افتتح الرئيس السيسي مراسم تدشين "قناة السويس الجديدة" في الإسماعيلية، متقدما عرضا بحريا ضخما في القناة الاستراتيجية.

ووصل السيسي بزيه العسكري بعد ظهر أمس الى الإسماعيلية على ضفة القناة، ليكون في مقدمة العرض البحري على متن يخت "المحروسة" الذي أبحرت خلفه سفن البحرية المصرية ومن بينها فرقاطة "فريم" التي اشترتها القاهرة أخيرا من باريس.

وهذا اليخت يعود الى العائلة الملكية، وكان نقل الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث، خلال افتتاح القناة في عام 1869.

والفرع الجديد للقناة البالغ طوله 72 كلم، سيضاعف القدرة الاستيعابية لحركة الملاحة في القناة، وفق السلطات.

(القاهرة - أ ف ب)

41.5 مليار دولار في 2052

توقعت دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية تضاعف الناتج المحلي الإجمالي لإقليم قناة السويس الذي يشمل محافظات السويس والإسماعيلية وبورسعيد وشمال وجنوب سيناء مع تنمية محور قناة السويس الممتد حتى عام 2052 إلى نحو 325 مليار جنيه (حوالي 41.5 مليار دولار).

وأوضح المركز في الدراسة، التي أعلن نتائجها أمس، أن تنمية محور قناة السويس ستدفع إلى نمو القطاع الصناعي الذي يشمل الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والتعدين، ما يضاعف الناتج المحلي الإجمالي لإقليم القناة إلى 325 مليار جنيه.

ونبه إلى أن هذا النمو سيسهم في زيادة حصة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي للإقليم من 19 في المئة بعام 2012 إلى 47 في المئة، بينما يزيد مشروع تنمية محور القناة من حجم القوى العاملة الصناعية في الإقليم بمقدار أربعة أضعاف المستوى المسجل في عام 2012 لتصل إلى 2.2 مليون عامل.

احتفال حَذِر في «التحرير»

الأمن كثف حضوره تحسباً لتسلل مخربين

ازدانت الشوارع والميادين في محافظات مصر بالأعلام واللافتات والمصابيح الملونة بالتزامن مع حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، أمس (الخميس)، في وقت بدا ميدان "التحرير" في قلب القاهرة مبتهجاً لكن بحذر، إذ تم تكثيف التواجد الأمني على المداخل الرئيسية للميدان الذي شهد توافد أعداد محدودة حتى عصر أمس.

الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها وزارة الداخلية تحسباً لتسلل عناصر إخوانية مخربة لميدان "التحرير"- أيقونة الثورة المصرية - لإفساد فرحة المصريين، بدأت قبل يومين، حين تم منع فاعلية كان مقرراً لها أمس، تشارك فيها ألف سيدة بإطلاق الزغاريد لحظة إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي بدء التشغيل الرسمي للمجرى الملاحي الجديد.

وباستثناء مسيرات جالت "التحرير" وانتهى مطافها عند ميدان "عبدالمنعم رياض" وسط هتاف "تحيا مصر"، فإن الاستنفار الأمني الذي طوَّق "التحرير" دفع الزخم الاحتفال إلى نحو مئة متر، عند شاشة عرض في ميدان "طلعت حرب"، وهي الفكرة التي عممت في الميادين الرئيسية في المحافظات كافة.

في الأثناء، تدفقت أعداد كبيرة من المواطنين إلى ميادين أخرى في العاصمة، أبرزها "النهضة وسفنكس والرماية"، والميادين الرئيسية في المحافظات، لمتابعة الاحتفالات عبر شاشات العرض، وسط عروض غنائية وفنية، بينما سمح لمرتادي الحدائق والمتاحف والأماكن الأثرية بالدخول مجاناً، للمشاركة في مظاهر الاحتفالات.

في موازاة ذلك، شهدت محطات مترو الأنفاق إقبالاً كبيراً من المواطنين وسط إجراءات أمنية مشددة على مداخلها، حيث تواجد رجال الأمن العام والشرطة السرية على مداخل المحطات وسط إجراءات أمنية لتفتيش الحقائب لتأمين الأجواء الاحتفالية.

مصدر أمني مسؤول قال لـ"الجريدة" إنه تم اتخاذ إجراءات أمنية احترازية غير عادية في قلب العاصمة وميدان التحرير بصفة خاصة، تحسباً للمحاولات من جانب أي عناصر لاقتحام الميدان أو الإقدام على أي أعمال تستهدف زعزعة أمن واستقرار الشارع وتعكير صفو وفرحة المصريين بافتتاح القنال.

وأضاف المصدر إنه: "تم نشر الدوريات الأمنية الثابتة في محيط مختلف الميادين والشوارع الرئيسية لاسيما وسط القاهرة، وتقرر إغلاق التحرير من قبل عناصر الجيش المرابطة قرب المتحف المصري وكذلك قوات الشرطة، حال الشعور أو ورود معلومات بوقوع أي محاولة لإحداث قلاقل في ميدان التحرير".