«من ثقافة السلطة إلى سلطة الثقافة»... إشكالية التراث بين التطرّف والاستنارة

نشر في 06-11-2015 | 00:01
آخر تحديث 06-11-2015 | 00:01
No Image Caption
صدر أخيراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب «من ثقافة السلطة إلى سلطة الثقافة» للشاعر والكاتب المصري أحمد عبد المعطي حجازي، ويضمّ مجموعة مقالات متفرقة حول الأدب والتاريخ، وإشكالية التراث بين التطرف الفكري والاستنارة، والوضع الراهن للمثقف العربي، وأهمية أن تكون الثقافة نشاطاً مستقلاً، وتؤدي دورها في مخاطبة الضمائر، وإيقاظ العقول، وكشف الحقائق الغائبة.
لفت مؤلف {من ثقافة السلطة إلى سلطة الثقافة} أحمد عبد المعطي حجازي إلى وضع الثقافة المصرية في نهاية القرن التاسع عشر، ودور المثقفين الرائد لتأسيس ثقافة جديدة، جاهدت أن تتخلّص من تبعيتها للسلطة الحاكمة، وتتحول هي إلى سلطة مستقلة، على نحو ما تحقق على أيدي رفاعة رافع الطهطاوي، ومحمود سامي البارودي والإمام محمد عبده، وعبد الله النديم وأحمد لطفي السيد وغيرهم.

أوضح المؤلف أن {سلطة المثقف} لا تعني أن تكون حاكمة، بل سلطة أخلاقية ترتكز على إدراك لماهية الفعل الثقافي، والتفاعل مع معطيات اجتماعية متجددة، وإدراك لتاريخ متشابك بين التردي والنهضة، ومجابهة الظلامية والمضللين تحت ستار ديني، ونبذ الطائفية، وتحريك العقل والوجدان صوب ينابيع الفكر المستنير وحرية الإبداع في كل المجالات.  

ارتكز المؤلف على رؤية مقارنة للثقافة المصرية ونظيرتها الأوروبية، واختلاف الفضاء السياسي والاجتماعي، وإنتاجه لأدوار فاعلة لمثقفي عصر النهضة، ودورهم الاستباقي في ترسيخ النظم الديمقراطية، ومنهم فولتير وجان جاك روسو ومونتسكيو وروبسبير، فيما تأسس حراك ثقافي بمبادرات لحكام مصر، وابتعث الطهطاوي إلى فرنسا بفرمان من محمد علي، وشيد الخديو إسماعيل المتحف ودار الكتب.

أكد المؤلف أن الثقافة تستطيع أن تكون سلطة مستقلة وفاعلة، وأثبتت في بعض المراحل قدرتها على الحراك، وتمثلت في عدد من المثقفين المصريين، الذين قادوا حركة النهضة في كل مجالاتها، وجمعوا بين القدرة على التفكير والتعبير والتغيير.

في فصل {كما نكون تكون ثقافتنا}يقول المؤلف: {الكثيرون منا يختزلون الثقافة في وجه واحد من وجوهها، وهو الإنتاج الأدبي والفني، ويختزلون بالتالي وظيفتها، فيحصرونا في الإمتاع والتسلية، والثقافة، وفي نظر هؤلاء هي ما تقدمه دور النشر ودور العرض من كتب ومسرحيات وأفلام وصور}.

أكد المؤلف أن الثقافة أوسع مجالاً وأشد خطراً وأعظم تأثيراً من حصرها في مجال واحد من مجالات الحياة الإنسانية، لأن الحياة لا تكون إنسانية إلا بالثقافة، فالحياة انفراد واجتماع وإبداعات فردية، ومن ناحية أخرى حرف وصنائع وأفكار وعادات وتقاليد وعقائد ونظم وأخلاق.

من الطبيعي أن ترتبط كلمة الثقافة في اللغة العربية، بحياة العرب القدماء، وأن تشتق مما كانت تقوم عليه هذه الحياة من نشاط، وما كان سائداً فيها من قيم وتقاليد، وهي قضية محورية ترتبط بالتاريخ والاقتصاد والدين والأخلاق، ويختلف معناها في البيئات التي نشأت بها.

وعن تعريفه للمثقف، يقول المؤلف إنه لا يكتفي بأن ينتج أعمالاً ثقافية، ولا يسكن برجاً عاجياً، وإنما يسعى ليحول أفكاره وأعماله إلى واقع حي، ويتحدث عن الحرية في قصائده، ويتكلم عن العدالة، ويتصدى للمتاجرين بالدين وتضليلهم للعامة.

ساق المؤلف موقف سقراط إزاء الجماهير المضللة في أثينا، والحكم عليه بالموت، وهجوم فولتير على طغيان لويس الرابع عشر، ودعوة تولستوي لتحرير الفلاحين الروس، ورفض الفيلسوف البريطاني برتراند رسل لأداء الخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولى.

كذلك في تلك الأيام التي ولدت فيها مصر من جديد، ولد المثقف المصري الذي تقدم الصفوف يمجد العقل ويقاوم الطغيان، ويبشر بالحرية، ويدفع الثمن الذي دفعه الطهطاوي والبارودي وطه حسين وعلي عبدالرازق والإمام محمد عبده مجدد الفكر الإسلامي، وقاسم أمين محرر المرأة وغيرهم.

 

خريطة الثقافة

نبه المؤلف إلى أنه دون ثقافة وطنية لا نستطيع أن نواجه الإرهاب، لأن الأخير ليس مجرد سلوك فردي، أو اعوجاج خلقي، بل عمل منظم واسع، ويستند من ناحية على ثقافة أخرى {ثقافة الإرهاب} ويعتبر القتل والعنف جهاداً في سبيل الله.  تطرق المؤلف إلى أهمية أن تحتل الثقافة مكانها اللائق في خريطة الطريق، وتعزيز حرية الفكر والإبداع، وأن تتخلى الهيئات المعنية عن كل ما يستطيع النشاط الحر أن يقوم به، وتركز جهودها في رعاية الإنتاج الثقافي الرفيع، وتزويده بما يلزمه من كفاءات وطاقات فنية وتيسير وصوله للمواطنين.

انتهى المؤلف إلى أن الثقافة بطبيعتها تجاوز وحرية، فالمثقف لا يعمل ولا يتحرك في الحاضر وحده، وإنما يعمل ويتحرك في الحاضر والماضي والمستقبل، وهو يرى ويسمع ويتذكر ويتخيل ويغامر ويكتشف.  

يعد {من ثقافة السلطة إلى سلطة الثقافة} شهادة لكاتب حقق حضوره في الساحة الثقافية المصرية والعربية، ويمارس الفعل الإبداعي والثقافي منذ ستين عاماً، ودخل في معارك ثقافية عدة، وجوبهت أفكاره التنويرية بهجوم عنيف من التيارات المتطرفة.

 يذكر أن أحمد عبد المعطي حجازي {80 عاماً} من أبرز الشعراء المصريين والعرب، وأحد رواد قصيدة التفعيلة والتجديد في الشعر العربي، وله العديد من الدواوين الشعرية، منها {مدينة بلا قلب} و{مرثية للعمر الجميل} و{كائنات مملكة الليل} و{أشجار الأسمنت}. ونال جوائز عدة، منها جائزة كفافيس 1989، وجائزة الشعر الإفريقي 1996 وجائزة الدولة التقديرية في الآداب 1997.

back to top