الأزمة السورية مكانك راوِحْ!
كل مَنْ استمع إلى "مناكفات" كلٍّ من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في المؤتمر الصحافي، الذي عقداه بمشاركة مندوب الأمم المتحدة ستيفان ديميستورا، لا بد أن يدرك أنَّ أي تقدم فعلي لم يتحقق بالنسبة للأزمة السورية، التي ازدادت تعقيداً بعد التدخل العسكري الروسي، وأن كل ما في الأمر أن الدماء التي سالت في باريس مساء يوم الجمعة قد فرضت مجرد الإيحاء بأن "فيينا 2" قد أحرز تفاهماً يمكن البناء عليه بين اللاعبين الرئيسيين في هذا الميدان الملتهب: الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاتحاد الروسي. اتضح من خلال إجابات كيري ولافروف عن أسئلة الـ"واشنطن بوست" وأسئلة أخرى، أن الخلاف حول بقاء بشار الأسد أو رحيله لا يزال على ما هو عليه، وأن روسيا ترفض حتى مجرد اتهام الرئيس السوري بشراكة "داعش" بالنسبة لاستخراج نفط سورية وتسويقه، وأنها تصر على أنه لا يوجد أي تعاون بين هذين الطرفين لا بالنسبة لهذا الأمر، الذي يُفترَض أنه مؤكد وواضح ولا يمكن إنكاره، ولا بالنسبة لأي أمر آخر.
هذه مسألة، وهي عقدة العقد منذ البدايات منذ اجتماع "جنيف 2" وقبل ذلك وحتى الآن، أما المسألة الثانية فقد اتضح من خلال ما قاله كيري ولافروف، مصحوباً بابتسامات ديميستورا الحمّالة أوجهاً، أنه لا اتفاق إطلاقاً على تحديد التنظيمات الإرهابية التي يُفترَض ألا تشارك في اجتماعات عملية السلام المقترحة خلال المرحلة الانتقالية وبعدها، باستثناء تنظيمي "داعش" و"النصرة"... وحيث ألمح وزير الخارجية الروسي خلال إجاباته عن أسئلة وسائل الإعلام إلى تنظيمات أخرى لم يذكر أسماءها بوضوح وصراحة، لكنه أشار إلى أن ما عدا "الجيش الحر" يمكن إدراجه في الدائرة الروسية السوداء. وهكذا، من خلال تبادل كيري ولافروف الغمز واللمز والابتسامات المُغمسة بالسخرية المُرَّة، فإنه يمكن القول، إنه لا جديد باستثناء المجاملات التي فرضتها الدماء "الزكية" التي سالت في شوارع باريس، وأن وقف إطلاق النار المقترح في البيان، الذي فرض إصداره تحاشي إعلان الفشل، لا يزال بعيداً، وأن الغارات الجوية الروسية على مواقع تشكيلات المعارضة "المعتدلة" ستستمر، وأن المواجهة مع "داعش" على الأرض بعد مواجهة السماء لا تزال غير واضحة وغير مؤكدة وغير محسومة لا من الأميركيين ولا من غيرهم. هناك مهلتان زمنيتان مقترحتان لتشكيل ما سُمي حكومة "الوحدة الوطنية"، التي تم النص على ضرورة تشكيلها، بدون أي إيضاح عما إذا كان هذا التشكيل سيكون مناصفة أم لا... من المعارضة ومن النظام بعد وضع الدستور الجديد، والثانية مهلة العام لإجراء الانتخابات الرئاسية، هذا مع إغفال ما إذا كان غير مستبعد أن يرشح بشار الأسد نفسه لها، كما قال الروس في "تسريباتهم" السابقة، وحتى لو تم التفاهم بشأن وفد النظام ووفد المعارضة إلى المفاوضات المقترحة التي قال كيري، بدون أي إيضاح، إنها ستتم على أساس "بيان جنيف"، فإن مشكلة المشاكل ستكون "التفاصيل"، والمثل يقول: إن الشياطين تكمن في التفاصيل! هذا هو واقع الحال، وواقع الحال يقول، وفقاً لما جرى تداوله، ولما قاله كلٌّ من كيري ولافروف في "المبارزة" الكلامية التي دارت بينهما بعد مؤتمر "فيينا 2"، ووفقاً للابتسامات الصفراء التي تبادلاها وتناغم معها المبعوث الدولي ستيفان ديميستورا الذي توسط الاثنين: "مكانك راوح"، وكل شيء باقٍ على ما هو عليه... والأوضاع لا تزال مفتوحة على احتمالات خطيرة بالفعل... أقلها أن يتواصل القتال والاقتتال، وأن تستمر هذه الأزمة الطاحنة، وتستمر عمليات تصفية الحسابات الدولية والإقليمية في الساحة السورية.