إن الواجب الوطني، في هذه المرحلة السياسية الحرجة والمُعقدة، يحتم على جميع القوى السياسية والاجتماعية الوطنية والديمقراطية والتقدمية والمحبة للسلام أن تعمل بشكل مشترك من أجل رفض قرع طبول الحروب العبثية في الإقليم، التي لم ولن تجني منها شعوب المنطقة سوى الدمار والخراب على المستويات كافة.

Ad

تُبنى العلاقات بين الدول على أساس المصالح المشتركة، وعندما تصل حالة التوتر السياسي بين دولتين إلى درجتها القصوى تُقطع العلاقات الدبلوماسية بينهما مثلما حصل، في بداية هذا الأسبوع، عندما قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بعد الموقف السياسي المتشدد للغاية الذي اتخذته إيران المعروفة عالمياً بسجلها المليء بانتهاكات حقوق الإنسان، وذلك بعدما أعدمت السعودية ما مجموعه 47 شخصاً من خلفيات سياسية مختلفة، كان ضمنهم المواطن السعودي الجنسية "نمر النمر" الذي من المؤكد أن له مكانة خاصة ومميزة عند النظام الإيراني عكستها ردة الفعل المتشنجة وغير الدبلوماسية، إذ إن إيران لم تعترض على مبدأ عقوبة الإعدام التي سبق أن ألغتها دول كثيرة، بل اعترضت على إعدام مواطن سعودي بعينه، ووصلت درجة الاعتراض إلى قيام مجموعة من الإيرانيين بالتعدي على السفارة السعودية وقنصليتها، وحرق وتدمير بعض محتوياتهما، وهو ما يتعارض مع الاتفاقيات والمواثيق والأعراف الدبلوماسية.

ومن الواضح أن موضوع إعدام "نمر النمر" ليس سوى القشة التي قصمت ظهر العلاقات السياسية بين السعودية وإيران المتوترة منذ فترة ليست بقصيرة، حيث إن العلاقة بين البلدين لم تكن على ما يرام منذ الثورة الشعبية على نظام الشاه في إيران عام 1979، والتي اختطفها الملالي هناك، وأقاموا دولة دينية شيعية تحت حكم "ولاية الفقيه"، أضف إلى ذلك أن العلاقات بين البلدين توترت أكثر، وذلك بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وما ترتب عليه من تدخل إيراني مباشر في العراق وسورية، وتدخل بالوكالة في اليمن ولبنان وبعض دول الخليج، ومن ضمنها السعودية والبحرين والكويت، وهو ما تعتبره السعودية تهديداً مباشراً لأمنها الداخلي والإقليمي، ونفوذها السياسي، ومصالحها الاستراتيجية.

وقد زادت التطورات السياسية الأخيرة المؤسفة التي أفضت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران من درجة الغليان السياسي في الإقليم الملتهب أصلاً، وهو ما قد يتطور، إن لم تخف حدة التوتر السياسي والشحن الإعلامي المتصاعد، إلى مواجهة مباشرة قد تأخذ الطابع الطائفي البغيض، وهو أخطر ما قد تواجهه دول الإقليم وشعوبه في المرحلة القادمة، لا سيما أن دول المنطقة تعاني، في الآونة الأخيرة، استقطابات طائفية ومذهبية حادة وبغيضة، بجانب أوضاع اقتصاديةـــ سياسية سيئة.

من هذا المنطلق، فإن الواجب الوطني، في هذه المرحلة السياسية الحرجة والمُعقدة، يحتم على جميع القوى السياسية والاجتماعية الوطنية والديمقراطية والتقدمية والمحبة للسلام أن تعمل بشكل مشترك من أجل رفض قرع طبول الحروب العبثية في الإقليم، التي لم ولن تجني منها شعوب المنطقة سوى الدمار والخراب على المستويات كافة، ثم رفض الشحن الطائفي البغيض الذي تتكسب من ورائه مجاميع طائفية تعمل في المجال العام، ولا يهمها سوى مصالحها الضيقة، والعمل على تماسك النسيج الاجتماعي الوطني والجبهة الداخلية، والدعوة إلى السلم وإنهاء سباق التسلّح الذي يستنزف ثروات شعوب المنطقة وخيراتها، وحل الأزمات السياسية في الإقليم بالطرق السياسية والدبلوماسية المتحضرة القائمة على أسس التعايش السلمي وحسن الجوار.