طهران تدير وساطة حساسة بين البارزاني وخصومه
في 19 أغسطس الجاري، تنتهي ولاية رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني. وفي الحقيقة فإن ولايته انتهت قبل سنتين، حين أكمل دورتين رئاسيتين، لكن برلمان الإقليم وافق على التمديد له عامين، إلى حين الاتفاق على دستور الإقليم وشكل النظام السياسي النهائي، الذي هو رئاسي حالياً مع حكومة يفرزها البرلمان، لكن خصوم البارزاني يطالبون بتحويله إلى نظام برلماني خالص يقلص صلاحيات الرئيس، وهذا الخلاف منع الاتفاق على حل ممكن، فوصلت إلى طريق مسدود آخر جولة مفاوضات شهدتها مدينة السليمانية مطلع الأسبوع.ويطلب الحزب «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة البارزاني تمديداً آخر مدة سنتين، مراعاة للظروف الحساسة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بينما يرد خصومه، وعلى رأسهم حزب الرئيس السابق جلال الطالباني «الاتحاد الوطني الكردستاني»، بأن تعزيز قوة كردستان أمام التحديات الراهنة يكمن في إعادة صوغ الاتفاقات الداخلية، وعدم التفرد بصناعة القرار من أربيل التي تمثل رمزاً لقوة عائلة البارزاني.
وهناك عنصران يتحكمان في مسار التفاوض، هما التحكم بعوائد النفط في كردستان، وملف التسلح وقوات البيشمركة. فحزب البارزاني يسيطر على الاتفاقات النفطية مع بغداد أو مع الشركات الأجنبية، كما يسيطر على الاتفاقات العسكرية ومساعدات التسلح التي تأتي من حلف شمال الأطلسي وواشنطن وبغداد، في حين لا يحصل حزب الطالباني إلا على مساعدات من إيران وحصة من أربيل لا ترضيه.وتتداول الأوساط الصحافية بحذر، حكاية دخول إيران على خط التفاوض. وتسربت أنباء عن مجيء وفد رفيع من طهران للوساطة بين طرفي الخلاف. وعادة ما يعبر حزب البارزاني عن انزعاجه من الوساطات الإيرانية، لكن كثيراً من الخلافات جرى حلها بفضل مبادرات من طهران، خصوصاً أن العلاقة مع أنقرة في هذه الأيام تمر بأسوأ فصولها. ويرجح أكثر من مراقب أن تنتهي الأزمة عبر حل وسط وتنازلات متبادلة، حتى بمضمون المبادرة الإيرانية، أي تمديد ولاية البارزاني سنتين أيضاً كما يطلب حزبه، ولكن مع خفض صلاحيات الرئيس كما يطلب خصومه.وقبل نحو سنة كان حزب الرئيس البارزاني يعتقد أنه الطرف المتماسك، لأن غريمه حزب الطالباني، منقسم على نفسه ولم ينتخب زعيماً جديداً، ولا يزال يعاني من آثار انشقاق حركة التغيير. كما أن المال وعوائد النفط وحقوله تتركز في أربيل ودهوك المعقل التقليدي للبارزاني، وتظل السليمانية مقر الطالباني، أقل ثراء ونفوذاً سياسياً. إلا أن الأمر تغير بعد نكسة الجيش العراقي وانسحابه من المعركة مع «داعش» في يونيو 2015، حيث اندفعت البيشمركة التابعة لطالباني وسيطرت على مدينة كركوك المتنازع عليها بين الأكراد والعرب.وباتت المدينة الغنية بالنفط «قيمة جديدة» تضاف إلى حزب السليمانية، وهو ما أدى إلى تغيير معنى المفاوضات بين الحزبين الرئيسيين إلى حد كبير، أو أنتج حقائق سياسية جديدة، يحاول فريق البارزاني عدم الاعتراف بها.ويقول ساسة نافذون إن البارزاني يريد الاكتفاء بدور «الزعيم الروحي» لحزبه ولباقي الحركات الكردية، ومستعد للتخلي عن المنصب. غير أن تعقيدات داخل حزبه وفي البرلمان نفسه، تجعل من الصعب حالياً، تقديم أي بديل ينجح في الحفاظ على التوازنات القلقة ومنع انزلاق الأوضاع والشعور بعدم الرضا، الموجود في الشارع أو بين النخب السياسية.